ومما يحسن التنبيه إليه ههنا، أنه حين صار إلى نعت نساء قبيلته أنفسهن، بمعرض تذميرهن لهم في ساحة القتال، جعلهن بوادن يضطربن في مشيتهن كاضطراب، متون الشاربين. وإنما جعلهن هكذا، لأنه يريد أن يكنى عن الوصل، ويجعل هذا ذريعة إلى معنى الغيرة، التي من أجلها يستبسل الرجال في الحروب قال:
على آثارنا بيضٌ حسان ... نحاذر أن تقسم أو تهونا
أخذن على بعولتهن عهدًا ... إذا لاقوا فوارس معلمينا
ليستلبن أفراسًا وبيضًا ... وأسرى في الحديد مقرنينا
ترانا بارزين وكل حي ... قد اتخذوا مخافتنا قرينا
إذا ما رحن يمشين الهويني ... كما اضطربت متون الشاربينا
يُفتن جيادنا ويقلن لستم ... بعولتنا إذا لم تمنعونا
ظعائن من بني جشم بن بكر ... خلطن بميسمٍ حسبًا ودينًا
وما منع الظعائن مثل ضربٍ ... ترى منه السواعد كالقلينا
والآن نصير إلى مثال آخر. قال الأعشى:
ودع هريرة إن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعًا أيها الرجل
غراء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي الهويني كما يمشي الوجى الوحل
كأن مشيتها من بيت جارتها ... مشي السحابة لا ريثٌ ولا عجل
تسمع للحلي وسواسًا إذا انصرفت ... كما استعان بريحٍ عشرقٌ زجل
ليست كمن يكره الجيران طلعتها ... ولا تراها لسر الجار تختتل
يكاد يصرعها لولا تشددها ... إذا تقوم إلى جاراتها الكسل
إذا تعالج قرنًا ساعةً فترت ... وارتج منها ذنوب المتن والكفل
ملء الوشاح وصفر الدرع بهكنةٌ ... إذا تأتي يكاد الخصر ينخزل
صدت هريرة عنا ما تكلمنا ... جهلاً بأم خليدٍ حبل من تصل