إذا تقوم يضوع المسك أصورةً ... والزنبق الورد من أردانها شمل
ما روضةٌ من رياض الحزن معشبةٌ ... خضراء جاد عليها مسبلٌ هطل
يُضاحك الشمس منها كوكب شرقٌ ... مؤزر بعميم النبت مكتهل
يومًا بأطيب منها نشر رائحةٍ ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل
وهذه الأبيات مشهورة. واستشهدنا منها آنفًا بقوله «هركولةٌ فنقٌ إلى آخر البيت» - بمعرض التمثيل لنموذج البادنة أول حديثنا عن مقاييس الجمال. وهريرة المنعوتة هنا بادنة بلا ريب. والأعشى مما كان يكلف بالبوادن .. قال:
ومثلك خودٍ بادنٍ قد طلبتها ... وساعيت معصيًا لدي وشاتها
وأحسبه كان يفعل ذلك ليجعل من نعت البوادن وسيلة إلى ذكر اللهو والقصص العابث، يتشيطن به، ويفتن سامعيه، ولاسيما الشبان منها. وقد كان له من عشاه، وخفة روحه، وحلاوة جرسه -أليس قد كان يدعى صناجه العرب؟ - ما يرتفع به أن يُزن بريبة أو يؤبن بفجور.
وقد بالغ الأعشى في بدن هريرة. من شواهد ذلك قوله «فرعاء» وهذا طول. وقوله «هركولة فنق» وهذا بدن، وفي الهركولة بعد ما قدمناه من معنى شبه هرقل البطل وقوله:
تسمع للحلي وسواسًا إذا انصرفت ... كما استعان بريحٍ عشرقٌ زجل
لأنها تنصرف خفيفة. والعشرق ضرب من النبات إذ يبس ورقة تطاير مع الريح. والتي تكون حال وسوسة حليها مثل زجل العشرق، ينبغي أن تكون هي في