للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى أبو عبيدة (١) «صفر الوشاح وملء الدرع» قال: «صفر الوشاح أي وشاحها خال من دقة خصرها وإذا لبست الدرع فهي ممتلئة لضخم عجيزتها، وبهكنةٌ ضخمة الخلق إلخ». ولا يخفى أن قوله «صفر الوشاح» يناقض «بهكنة» و «فنقا» ونحو ذلك، إلا أتجعل مقاربة الانخزال في الخصر عند التأتي عذرًا له. وليس عندي في قوة الرواية الأولى. والله أعلم.

وقد بدأ الأعشى نعته هريرة في حالتيها ماشيةً إلى بيت جارتها وآئبة منه، وذلك قوله:

غراء فرعاء مصقولٌ عوارضها ... تمشي الهويني كما يمشي الوجى الوحل

هذا عند الذهاب:

كأن مشيتها من بيت جارتها ... مشي السحابة لا ريثٌ ولا عجل

تسمع للحلي وسواسًا إذا انصرفت ... كما استعان بريحٍ عشرقٌ زجل

وقوله «من بيت جارتها» وقوله «انصرفت» شاهدان أن هذا من صفة الإياب. ثم أخذ في تفصيل الأول. فزعم أنه تزور جيرانها فلا يكرهون طلعتها، ذلك بأنه لا تفشى من أسرارهم. ولا يخفى أنها في هذا البيت برزة زءور. والشاعر ينعتها فيه عند آخر مطافها، حين بلغت الجيران فاسبتشروا بها. ثم يئوب إلى حين همت بأن تزور فيخلع عليها صفة المترفة، التي تكاد يغلبها الكسل أن تخرج من دراها. وهذه بلا شك صفة سمتٍ منها تتكلفه تكلفًا، للذي أعلمناه الشاعر من أنها زواره. ومراده من نعت هذا السمت الذي تتكلفه، أن يجعله في مقابلة أريحيتها وتبرجها حين يتلئب بها سنن المسير. ولا يخفى أنه بهذا يوحي لنا بسجية من ساحرةٍ خلوب.


(١) ديوانه ص ٤٢، حاشية- (٥ - ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>