ثم يرجع بنا إلى حال لقائها مرة أخرى، ليقابل به ما ذكره من سمت تشددها:
إذا تعالج قرنًا ساعة فترت ... وارتج منها ذنوب المتن والكفل
وفتورها ههنا تفتر. وارتجاج متنها وكفلها -أو كما قال- «ذنوب المتن والكفل» تراءٍ منها ذو ثقةٍ بما تعلم من نفسها من حسن منظر وشباب. والذنوب الدلو. وأراد أن ارتجاجها كما ترتج الدلو مملوءة يضطرب ماؤها ويتحدر من جانبيها. وفي هذا كالنظر إلى قول امرئ القيس:«إذا استحمت كان فيض حميمها البيت». ثم كأن الأعشى مر بهريرة وهي في هذه الحال. من ترائيها إذ قوله «ملء الشعار وصفر الدرع بهكنةٌ» كأنما هو تأملة مارٍّ. ثم كأنه إذ حياها أعرضت عنه إعراضة متجاهلة مزدرية. وهنا يذهب الأعشى قريبًا من مذهب الملاحاة، كالذي رأيت عند عبيد، ويفتعل مسرحية من الرثاء لنفسه إذ يقول:
ثم يتخابث بكالوحي إلى سابقة من تجربة كانت بينها وبينه:
نعم الضجيع غداة الدجن تصرعه ... للذة المرء لا جافٍ ولا تفل
وهنا نظر إلى قول امرئ القيس «هونةً غير مجبال» و «مرتجةً غير متقال». وظاهر الأداء يحتمل أن يكون الأعشى جاء بوحيه هذا ليهون من أمر الصدود الذي كان. ولا يخفى بعد مراده من محض الأرب إلى مفاكهة سامعيه بما ينعت لهم من أمر اللذة واللعاب.
ثم يعود إلى تفصيل شيء ما أجمله إذ وصف الأوبة فيقول: