من إسراع. وإذ حالها آئبة ليست بحال من تقبل على افتنان تعمده من تراء وتبرج، فالشاعر يصف هيئتها كاملة مدبرة تسعى. واجعل هذا. كما قدمنا -ازاء قوله «غراء فرعاء» إذ الغراء مقبلة دالفةٌ. وكونها هركولة، في قامتها ومشيتها- طبعٌ طبعته، وهو سر جمالها المنعوت، وليس في ذلك فضل تزيد متعمد كالذي كان منها حين حيت صاحباتها ففترت وارتج منها ذنوب المتن والكفل.
ثم رجع الأعشى من هذه النظرة التي نظرها إليها وهي مولية كالسحابة لها عشرقٌ زجل كالرعد، إلى عهدها حين أول ما غادرت الجارات، يجعل ذلك في مقابلة تشددها حين كان يصرعها الكسل وأول ما همت بالزيارة:
إذا تقوم يضوع المسك أصورةً ... والزنبق الورد من أردانها شمل
وإنما احتاج الأعشى إلى أن يجعل المسك أصورة لأن هريرة عظيمة الجسم، مع ما يدل عليه هذا من ترفها، ولا يخفى ما في قيامها على هذا الوجه من تثاقل وونى. وقد نظر الأعشى إلى قول امرئ القيس في بادنتيه:
إذا قامتا تضوع المسك منهما
ثم لا يخفى أيضًا ما ستتركه أصورة المسك هذه وأردان الزئبق من أريج يستمر بذكرى هريرة بعد خروجها إلى حين.
ثم يجيء تشبيه الروضة.
والشاعر يجعله إجمالاً لما سبقه، كما أجمل بأبيات المشية تفصيله بعدها. وإشراق الروضة ومضاحكتها للشمس -وذلك قد كان ضحًا كما ترى من السياق- أظهر لبهجتها وأبهتها. وهذا كأنه تمثيل لحال هريرة حين تزور. ونشر ريا الروضة واختضابها بالأصيل. كأنه تمثيل لحالها حين تئوب وهي هركولةٌ فنقٌ إلى آخر ما قال. ثم عاد إلى معنى ما كان ذكره من صدودها، وإلى ما افتعله من الملاحاة ومسرحية