كالذي زعم من زمانه هو إذ بلاه بالشيب وحنا الظهر في أول الذي ذكره من الملاحاة.
يتلهين بنومات الضحا ... راجحات الحلم والأنس خفر
ونومهن الضحا شاهد نعمتهن. ورجاحة حلمهن وأنسهن نعت لسجايا منهن تلائم ما سيذكره بعد من بدنهن:
قطف المشي قريبات الخطى ... بدنًا مثل الغمام المزمخر
يتزاورن كتقطاء القطا ... وطعمن العيش حلوًا غير مر
وليس هذا البيت الثاني، وأحسب أنا وقفنا عنده من قبل- بتكرار لسابقه. إذ فيه إيحاء بشعور المرار إزاء ما رأى من حال هؤلاء الفتيات إذ يمشين يتزاورن. شاهد هذا الإيحاء ما يلابس معنى القطا من معنى الخفة. والشعور الذي أحسه هو إنما كان خفة ونشوة طرب وعجب.
هذا ومع الإيحاء قصد إلى تصوير ما هن عليه من خلو بال إذ يتزاورن ويتحدثن لا يشغلن شاغل هم، كما تفعل القطا إذ تقطو عند جانب الغدير، وإذ تلغط وهي تقطو:
لم يطاوعن بصرمٍ عاذلاً ... كاد من شدة لومٍ ينتحر
وهذا البيت ظاهر في صفتهن وحقيقته أنه صفة للشاعر نفسه، إذ هو لا يبالي أن يعذله عاذل على هذا الطرب الذي يحسه لذكرى فتاته، وهذا التخرق بالنشوة الذي سيتخرقه حين ينعتها فيبالغ في نعته لها. ومن أجل هذا المعنى المستكن، ساغ له أن يقول بعد:
وهوى القلب الذي أعجبه ... صورةٌ، أحسن من لاث الخمر
وهذا مبدأ النعت. وفاتنته التي يصف، أحسبها كانت مختمرة، بدليل قوله: