كما فعل الأعشى، ذلك بأن نحو هذا التأليه لم يكن من أربه. وإنما كان يريد أن يظهر مدى ما فتنته صاحبته، ومدى ما تعاظمه من أمرها، بالمبالغة في تصويرها تمثالها. ولعله لم يرب بطوله على عشرة أذرع وقد جعله بين البادنة والخمصانة وأصاب بذلك آرابا شتى- منها معنى الخفض الذي كان أغلب على مذاهب الإسلاميين ومنها معنى بعد المنال الذي يكنى عنه الطول والضمر، وأماني الوصال التي يكنى عنها البدن واللين، ومنها بعد، حفظ النسبة، على النحو الذي قدمنا به لحديثنا عن النموذج العظيم في أول هذا الباب.
هذا وقد قدم المرار أمام نعته لفاتنته صورةً مجملة لأترابها بعد أن ذكر الدار وعفاءها. وقد جعل أترابها بادنات ناعمات، ليجيء بها من بعد فتفرعهن طولاً، وتبذهن فراهة حسن، ثم ليجعل من الغناء بهن نشوة تهيء له جو الغناء بها. قال:
هل عرفت الدار أم أنكرتها ... بين تبراك فشسي عبقر
جرر السيل بها عثنونه ... وتعفتها مداليج بكر
وهي الرياح تدلج وتبتكر:
يتقارضن بها حتى استوت ... أشهر الصيف بسافٍ منفجر
وبساف متعلق بيتقارضن. أي تناوبتها هذه الرياح بسوافيها حتى استوت أشهر الصيف:
وترى منها رسومًا قد عفت ... مثل خط اللام في وحي الزبر
وهذا تشبيه دائر في عفاء الديار:
قد نرى البيض بها مثل الدمى ... لم يخنهن زمانٌ مقشعر