قبل شبه شعرها بالأفنان. فهي كأنها نفسها نخلة. هذا، وقد ذكر في مطلع نعته أن لونها أبيض ناصع. وههنا يصفها بالصفرة. والسبب فيما يبدو لنا أمران. أولهما أنه أراد أن يجعل بياض لونها في مقابلة سواد شعرها. والجعودة مما تنبئ عن شدة السواد في الشعر مع شدة البريق، كما تنبئ عن المتانة فيه والتعقص وهما معناها الأول. فتكون الصورة بهذه المقابلة أقوى. وثانيهما أنه طلب التوسط بين ما كان عليه أهل الأمصار في عصره من استحسان ألوان الجواري الروميات ونحوهن من ناعجات الألوان:
قال رؤبة:
لقد أتى في رمضان الماضي
جاريةٌ في درعها الفضفاض
تقطع الحديث بالإيماض
أبيض من أخت بني إباض
وبين ما كان عليه مذهب العرب من استحسان الصفرة ومقاناة الصفرة كالذي مر بك. وإلى قريب من مذهب المرار هذا في التوسط ذهب معاصره ذو الرمة حيث قال:
حوراء في نعجٍ صفراء في دعجٍ ... كأنها فضة قد مسها ذهب
إلا أن ذا الرمة كان أحرص على نموذج القدماء كما ترى. وكأن المرار بقوله «يونق العين» بعد أن قال «راقه منها بياض ناصع» أراد أن يعتذر للعرف لما هو عليه من استحسان الصفرة. وكأنه أيضًا أراد أن يعتذر بنسبة الصفرة إلى الطيب إلى أذواق أهل الأمصار من معاصرين- يقول بذلك لهم إن هذه الصفرة ليست لونها الأصلي ولكن البياض الناصع هو لونها الأصلي.