للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي مر بك فيه حديث عائشة- كان أثرياؤه مما يتعمدون تبدين الفتيات مع إنحال خصورهن بالوشح ونحوها مما يضيق به الخصر ضيقًا مصطنعًا. وقد كان قدماء المرويين كأنهم كانوا يفعلون نحوًا من ذلك بنسائهم. ولعمري إن خلط الأعشى اللفظي بين البدانة والضمر أحكم من هذا، والبشر مما تقع في نحو هذه الأوابد، كتضخيم بعض نساء الزنج مشافرهن حتى تئيض كمناقير طير البحر، وكتصغير أهل الصين أقدام فتياتهم، وهلم جرا.

هذا وقوله «ثقال» «وتبسم عن أشانب إلخ» وقوله «لها جيد الغزال إلخ» كل ذلك «كليشهات». وقوله «وعالي النبت ميال العقوص» جمع فيه صفة امرئ القيس «غدائره مستشزرات إلى العلا» وصفات المرار:

فإذا ما أرسلته ينعفر

ينظر إليه في قوله «ميال»

وجعدةٌ فرعاء في جمجمةٍ ... ضخمةٍ تفرق عنها كالضفر

ينظر إليه في قوله «عالي النبت» وقوله «ميال العقوص جميعًا». وقوله «كأن رضابها إلخ» كنى به عن وده وصلها، ولذلك جاز له من بعد أن يزكي نفسه ليكون أهلاً لينال من هذا الرضاب، وقوله «وتمشي حين تأتي جارتيها» وهو آخر نعته، كأنه يسلي به نفسه عنها، بتأملها وقد مضت مولية. وهذا كما ترى يهيئ له أن يقبل على المدح وما إليه، كما فعل.

فهذا يبين لك ما زعمنا من نموذجية ابن الدمينة نموذجية أراد منها الإيحاء بالشوق والهوى والاشتهاء دون حاق الوصف نفسه. ولذلك ما جاء «بالكليشهات» لا يزيد عليها كبير شيء.

هذا، والتمثال اليوناني قد آل أمره بعد الصبايا الثلاث إلى التلاشي. وضرب بعد ذلك الزخرف البيزنطي بجران. ونحو هذا قد حدث للتمثال العربي اللفظي إذ قد ضرب زخرف البديع، بعد عهد ابن الدمينة وأوائل المحدثين بجران.

<<  <  ج: ص:  >  >>