للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأوائل المحدثين قد كان في عباراتهم كالإيماء إلى شبح التمثال. وقد كان بشار أبو المحدثين ضريرًا. فكان يعتمد «الكليشهات»، ويلينها، ويذهب بها مذهبًا من التحسس. ويأرب من وراء ذلك كله أن يشيع إيحاء من الاشتهاء الجنسي. تأمل قوله:

وتخال ما ضمت عليه ثيابها ذهبًا وعطرا

فهذا كليشيه أخذه من قول ذي الرمة «كأنها فضة قد مسها ذهب» ومن قول المرار «عبق العنبر والمسك بها إلخ» ولينهما، وجاء بهما زخرفًا ذهنيًا يوحي بشبح بتمثال امرأة:

وكأن تحت لسانها هاروت ينفث فيه سحرا

وكأن رفض حديثها قطع الرياض كسين زهرا

فهذا كما ترى تليين لكليشهات القدماء في الحديث. وفيه بعد إحداث نوع من الحركة في الشبح القائم الذي أومأ إليه.

ومتأخرو المحدثين قد اختفى التمثال من عباراتهم كل الاختفاء. وحتى إيحاء الشهوة قد تعمدوا أن يتجنبوه إلى مجرد الإمتاع بزخارف البديع، ما كان منها لفظيًا كقول القائل:

وأمرت لؤلؤًا من نرجسٍ وسقت ... وردًا وعضت على العناب بالبرد

وما كان منها معنويًا مثل قول القائل:

لقد سلبتني فرنجية ... نسيم العبير بها يعبق

وإن يك في طرفها زرقةٌ ... فإن سنان القنا أزرق

وقد تنفر أذواقنا عن مثل هذه الزخارف، نعدها تكلفًا وعبثًا لا طائل وراءه. وإنما

<<  <  ج: ص:  >  >>