تنفر أذواقنا في الحقيقة عن رياء النفاق الحضاري، الذي يكمن وراءها وتشف هي عنه. ولله در التهامي إذ يقول:
ثوب الرياء يشف عما تحته ... فإذا اكتسيت به فإنك عاري
وصاحب «وأمطرت لؤلؤًا» يريد ليوهمنا أنه رقيق حقًا، بلغ من رقته أنه حين يتغزل لا يفكر إلا في الوشى المنمنم، وشي الرياض كأنه عصفور، أو وشى البرود كأنه أمير مترف. ودعواه الرقة كاذبة. إذ كلامه لا يوحي بشيء. ولئن أوحى فذلك لا يتجاوز أن يكون شهوة فظة غليظة القلب، مناقضة لما يتظاهر به من رقة، إذ الرقة مع الهوى وسمو العاطفة. وقوله لا يشع بشيء من ذلك. وقد جاء بهذا المعنى الذي حام هو حوله في زخرف بديعه، امرؤ القيس باهرًا جهيرًا حيث قال:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلبٍ مقتل
فتأمل.
وصاحب «لقد سلبتني فرنجية» يريد ليتظارف ويتكايس. وقد احتال على فرنجيته التي سلبته فجعل لها عبيرًا يعبق ليتم البيت على أية حال، حتى يخلص إلى دليل ذكائه وفطنته في حسن التعليل. وليس تحت هذا كله إن تأملته إلا معنى سوقي «مائع الروح» ضحل الفكاهة.
ولقد جاء بتشبيه من هذا المعنى شاعر إسلامي من عسكر المهلب -شبيه به من حيث الرغبة إلى امرأة تحميها أسنة الأعداء- فأحسن الفكاهة وارتفع بها عن أن تكون سوقية، وما ذلك إلا لأنه صرح بمعنى الخوف والخطر، الذي أبت رقة صاحب الإفرنجية أن يشير إليه بشيء، وذلك قوله:
أخلاج إنك لن تعانق طفلةً ... شرقًا بها الجادي كالتمثال
حتى تعانق في الكتيبة معلمًا ... عمرو القنا وعبيدة بن هلال