والذي نعنيه من الفكاهة، في مقابلة ما بين البيت الثاني والبيت الأول: الصورة الحية المرعبة، والصورة النموذجية الوادعة البعيدة المنال.
هذا ولقد دار التمثال اليوناني دورة كاملة بعد عهود الزخارف البيزنطي في الذي كان من أمر النهضة كما قدمنا، ثم في العودة مرة أخرى إلى زخارف الفن الحديث المستمد بعضها من غابات أفريقيا، وبعضها من غابر حضارة الشرق وسائرها من هندسة الآلة وانحلال القيم القديمة. وأحسب أن التمثال اللفظي العربي يوشك أن يدور دورة كاملة، وتلك سنة الكون والطبيعة والعمران البشري.
ذلك بأن شعراءنا -على أنهم مازالوا يرزحون تحت أعباء من بقية أوزار البديع القديم، وأوزار أخرى استحدثوا من بديع أوروبا الحديث- قد جعل بعضهم، ينظر من طرف خفي إلى التمثال الجاهلي. ونأمل أن نفصل هذا الباب فيما بعد إن شاء الله. ونكتفي ههنا بأن نمثل بقول نزار قباني:
لا تسأليني هل أحبهما ... عيناك إني منهما لهما
وجميع أخباري مصورةٌ ... يومًا فيومًا في اخضرارهما
وستارتان إذا تحركتا ... أبصرت وجه الله خلفهما
كوخان عند البحر هل سنةٌ ... إلا قضيت الصيف تحتهما
الشمس منذ رحلت مطفأةٌ ... والأرض غير الأرض بعدهما
وفي هذه الأبيات لين وركاكة واضطراب في الصور واستكراه لبعض الألفاظ. وفيها بعد نظر إلى البديع القديم -أعني بديع المتأخرين من أمثال ما مر- من حيث إنها تروم مضاهأة سوقيته في المعاني بسوقية في التعبير، مثل السؤال في البيت الأول، وقوله «إني منهما لهما» وقوله «وجميع أخباري». كما فيها أخذ من الإفرنج في قوله «أبصرت وجه الله خلفهما» ووجه الله يناقض ما قدم من معنى الستارتين، إذ هو أعظم من أن يخفيه شيء، ولفظ الستارتين أفرنجي الأصل ولكن تحته معنى سجفي النابغة. وكوخان قبيحة، لقبح