الشباب فمثل حرارة أنفاسه لا يستطاع. والجزء الثاني فيه آراء وجمل تحتاج إلى أن يعاد فيها النظر قليلًا، وعسى أن ألحق به بعض الاستدراكات. والجزء الثالث قد تناولته المراجعة مرارًا قبل نشره في سنة ١٩٧٠ م إذ نُشرت منه في ما بين سنة ١٩٦٣ م و ١٩٦٩ م قِطَعٌ منهن الحديث عن طبيعة الشعر الذي في أوله، ومنهن الحديث عن الحمام والأثافي والرماد. وقد كنت وعدت فيه قائلًا «ونأمل أن نقبل في سفر يلي هذا إن شاء الله على تفصيل شيء من نماذج الشمطاء في أشعار هذيل وحميد بن ثور والقطامي وغيرهم كما وعدنا آنفًا وعن غير ذلك مما هو بصدد ما نحن فيه». فالآن بدا لي أن مثل هذا التفصيل سيطول به الكتاب طولًا فاحشًا ولعل الحاجة أمسَّ إلى الاختصار والاكتفاء ببعض الأمثلة من ذلك عند الحديث عن الوصف الذي هو غرض من أهم أغراض الشعر، وقديمًا قال الشاعر العربي:
خذا بطن هرشي أو كلاها فإنه ... كلا جانبي هرشي لهن طريق
وقد طُبعت منذ حين قريب كتب قديمة مفيدة جدًّا في باب موسيقا (١) الشعر ورنات وزنه وإيقاعه وددت لو أنها كانت ميسورة المنال لي فاطلعت عليها قبل تأليف الأجزاء التي صدرت من كتابي «المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها»، وإذن لكان قد تأتَّى لي منها مدد غزير، على رأس هذه الكتب القديمة قوافي أبي الحسن وفي بعض المواضع منه عسر، وقد ذكر الجاحظ، أحسبه في كتاب الحيوان، أن أبا الحسن ربما صنع ذلك عن عمد، ومنها كتاب الوافي للتبريزي وهو كاسمه ومنها «الموسيقا الكبير» لأبي نصر الفارابي وهو كتاب ناصع العبارة محقق تحقيقًا جيدًا. وقد تحدث أبو الحسن ثم تبعه التبريزي في ذلك، عن شيء اسمه الرمل (بالتحريك) جعله مقابلًا للقصيد. وتحدث عن صلة الرجز بالحركة. وقد أشرت إلى هذا المعنى في معرض الكلام عن الرجز والكامل في الجزء الأول من كتابنا هذا
(١) () أوجب في موسيقا أن تكتب بالألف لعجمة أصلها لا الياء.