{تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} -وزعم قوم، وأحسبهم أخذوه من مقال الجاحظ هذا، أن البيت الواحد ليس بشعر ولكن البيتان فأكثر. ولم يرد الجاحظ الكم وحده، لاشتراطه مع معرفة الأوزان القصد إليها بغرض أن يكون الكلام شعرًا. وقد كان الجاحظ من علماء الكلام، فينبغي ألا يغفل عن جانب الدقة في عباراته، والله أعلم وعرف أبو العلاء المعري الشعر في رسالة الغفران على لسان صاحبه في وضعه الخيالي يجيب رضوان خازن الجنان قال:«فقلت الأشعار جمع شعر والشعر كلام موزون تقبله الغريزة على شرائط إن زاد أو نقص أبانه الحس» وكان للمعري علم بالموسيقا (١) والإيقاع يشهد بذلك فصل له عن أوزان الغناء في كتابه الفصول والغايات. ولا يخلو المعري من أن يكون نظر في تعريفه للشعر وهو تعريف إيقاعي موسيقي إلى أبي نصر الفارابي فإنه عنده أن الشعر هو الأقاويل الموزونة إلا أن العرب في أشعارها القافية، قال:«وأشعار العرب في القديم والحديث فكلها ذوات قواف إلا الشاذ منها، وأما أشعار سائر الأمم الذين سمعنا أشعارهم فجلها غير ذات قواف وخاصة القديمة منها، وأما المحدثة منها فهم يرومون أن يحتذوا في نهاياتها حذو العرب» أ. هـ. (راجع الموسيقي الكبير، طبع القاهرة ص ١٠٧٢ - ١٠٩٢) وفي كتاب أبي حاتم الرازي، الزينة، وهو من رجال أوائل القرن الرابع الهجري، أن شعر الفرس القديم لم يكن محكم الوزن وإنهم أخذوا القافية والوزن من العرب.
وأكثر ما اطلعنا عليه من معجمات الإنجليز يعرف الشعر بأنه الكلام الموزون وربما زاد على ذلك ما يحترس به من غث الكلام الموزون. وقد اعترف كارلايل بأن تعريف الشعر بأنه الكلام الموزون metric أدل من سواه وإلى هذا الوجه ذهب الدكتور صمويل جونسون (١٧٠٩ - ١٧٨٤ م) من قبل. ومن طريف ما روي عنه صاحب ترجمته قال إنه بلي مرة برجل ينظم لم تكن عنده أدنى فكرة عن الشعر غير
(١) () الوجه في الموسيقا أن تكتب بالألف لعجمة أصلها ولكن كثرت كتابتها بالياء فصرنا بذلك من غزية أحيانًا في غوايتها.