والفاء متقاربات، فهذا يدل على قدم هذه المادة وأصالتها في العربية. ولئن تك يونان أمة أقدم من عرب جاهلية عنترة وامرئ القيس ومهلهل وقصي بن كلاب، فليست يونان بأقدم من العرب القدمى كطسم وجديس وجرهم واميم وعاد وثمود وأمم اليمن الأولين من عهد سبأ أو قبل ذلك. وقد أخذ اليونان من أمم سامية لغاتها قريبة من لغة العرب كالكنعانيين أي الفينيقيين، ذكر أخذ اليونان عنهم حروف الهجاء المؤرخ هيرودتس. وأخذ اليونان عن مصر القديمة وبابل القديمة لا يخفى. وزعم روبرت قرنـ? ـل تمبل، صاحب كتاب أسرار الشعري (النجم بكسر الشين والعين ساكنة بعدها راء وألف لينة) بالإنجليزية طبع ١٩٧٦ م أن العرب والعبرانيين أخذوا لفظ الخمس والخمسين من مصر القديمة وأن مصر القديمة وسومر القديمة لهما أصول في مدنية قوم أقدم منها. وإنما نذكر هذا للزيادة في التنبيه على أن اليونان ليس أمرهم بالموغل في القدم حتى يجعلوا أصلًا نهائيًّا يوقف عنده ولا يتجاوز.
نظام الخليل بأجزائه ودوائره وبحوره وأسبابه وأوتاده وفاصلته وزحافه وعلله وتشعيثه ومراقبته ومعاقبته وهلم جرا نظام متقن محكم، وقد بني الخليل على أسس من قديم علم النحو وعلوم الإيقاع. وقد زعم الجاحظ في موضع من الحيوان أن الخليل كتب في الألحان وفي الكلام فقصر تقصيرًا، وزعم في موضع آخر أن إسحق الموصلي أثنى على الخليل ونسب إليه أصل كتابة الموسيقا (١).
فإما يكون الجاحظ نسي في الموضع الذي أشرنا إليه في الحيوان مقاله هذا وإما يكون أحد القولين نسب إليه وليس له، والله تعالى أعلم.
وقد سبق الخليل في علم الألحان والموسيقا معبد وأصحاب الغناء المتقن أيام بني أمية وقد كانت لأصواتهم نقرات محفوظة، قال البحتري يصف جوادًا من كرام الخيل:
هزج الصهيل كأن في نبراته ... نبرات معبد في الثقيل الأول
وقد ذكر المعري وزن الثقيل الأول في الفصول والغايات.