للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي بعض ما قرأت أن أصله رضي الله عنه كان من دنقلة ويؤيد هذا نعت الجاحظ له في الحيوان بأنه نوبي وكان جد الجاحظ من السودان مولى للنسأة من بني كنانة أهل مكة فلعله كان نوبيًّا أو بجاويًّا وكل أولئك مما يطلق عليه لفظ الحبش كما يطلق على الحبش لفظ السودان.

وكان الغناء قد احكم كل الإحكام على أيام بني أمية ومدار كتاب الأغاني كله على الأصوات المائة المختارة مما أكملت صناعته على زمانهم وكأنما أراد به إحياء مآثرهم وكان أموي النسب، وكان يتشيع فالله أعلم أكان منه تقية أم تقوى.

هذا الفن العظيم الذي حفظت لنا منه أسماء معبد والغريض وابن سريج ثم من بعد في دولة ابن العباس أسماء الموصليين إبراهيم وابنه إسحق ومن بيت الخلافة والخلفاء إبراهيم بن المهدي والواثق بن المعتصم ومن أهل الصناعة أمثال زلزل وبنان ومخارق وزنام، قال البحتري:

وعود بنان حي ساعد شدوه ... على نغم الألحان ناي زنام

ومن النساء سلامة القس وحبابة التي هام بها يزيد بن عبد الملك ومن بيت الخلافة العباسية علية بنت المهدي وسوى هؤلاء كثير ... هذا الفن العظيم كان تتمة الشعر وغايته وغير منفصم عنه. وقد ضاع كله فلم يبق منه لدينا الآن شيء إلا ما عند أصحاب الطرق الصوفية مما خص به نشيد التعبد والأذكار. ولا يخفى أن هذا جزء صغير جدًّا منه. وهذا الجزء الصغير جدًّا هو الذي به عرفنا نحن في عصرنا هذا شيئًا من طبيعة الشعر القديم.

المشايخ العلماء كانوا يعرفون ألحان الصوفية ويترنمون بها في الأذكار والمدائح النبوية. ومن طريقهم عرف رنين إيقاع الشعر أول الأمر في عصرنا هذا الحديث. جيل البارودي وتلاميذه ومعاصروهم في مصر وغيرها من بلاد المسلمين سمعوا نشيد الصوفية وأهل الطرق وتأثروا به وأثر في إيقاعهم ورنين نظمهم. وقد تعلم أن

<<  <  ج: ص:  >  >>