البارودي جاري البردة وكذلك صنع شوقي وجاري همزية البوصيري وهمزية الشهاب. ومن هذا الباب عمرية حافظ التي صاغها على بحر كلمة البرعي «بانت عن العدوة القصوى بوادية» ورويها. والقصائد التي تلقى في عيد رأس السنة الهجرية، على ما خالطها من روح «العلمانية» العصرية وأماني القومية العربية، معدنها من شعر المديح النبوي. وكان لرسالة المرحوم أحمد حسن الزيات عدد ممتاز للهجرة تنشر فيه نخبة صالحة منها. وأحسب أن أغاني أم كلثوم في نهج البردة ما كانت منها إلا محاولة تجديد «مدنية» لطريقة الترنم الصوفي القديم. وقد أعجب بأسلوبها كثيرون. وإنما كان صدى باهتًا من الأصالة المفقودة. (ولنا إلى هذا عودة من بعد إن شاء الله). كلما ابتعد الشاعر المعاصر من التأثر بسماع الإيقاع الأصيل الصافي العتيق أو قل بسماع شيء من البقية التي قد أسأرها الزمن منه، كان نظمه فاترًا خابي وقدة الرنين والإيقاع، أو كدر الصياغة كل الكدر، لا ديباجة له. لعل أكثر ما نظم خليل مطران من هذا الضرب، ولئن كان صاحب:
Lay your knife and fork across your plate
«ضع السكين والشوكة من فوق على صحتك»
ربما اتفق له البيت المستقيم بعد طول الكد والمحاولة وإدمان القرع فكذلك قد يتفق لخليل مطران نحو قوله:
ثاو على صخر أصم وليت لي ... قلبًا كهذي الصخرة الصماء
وهو بيت مفرد في كلمته التي يقول فيها:
إني أقمت على التعلة بالمنى ... في غربة قالوا تكون دوائي
إن يشف هذا الجسم طيب هوائها ... أيلطف النيران طيب هواء
أو يمسك الحوباء حسن مقامها ... هل مسكة في البعد للحوباء