فإن الذي أصابه وجاء به قعقعة ألفاظ ليس وراءهن طائل. ثم في بعض التعداد الذي عدده فساد في المعنى. لماذا يسأل الله أن يجعله يراه في يد القاتل في نجيع القتيل، أليس إن سأل الله أن يكفيه شهود مثل هذا المكروه كان ذلك أشبه بالإخبات إلى الله والعبادة المخلصة له؟ أم لله حسب أن ههنا ضربًا من التصوف بوحدة الوجود؟ فإن أول ما يطلبه المتصوف من ربه العفو والعافية والمعافاة ويعوذ به من الكبر والشرك والشيطان الرجيم؟ ثم كيف يرى الله في كف البخيل، وما في كف البخيل إلا الشيطان؟ ثم كيف يكون العالم مدعيًّا والادعاء والعلم متناقضان؟ يريد أن يقول برؤية الله في كل شيء، ولكن الله لا يكون في ذلك الشيء تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا وإنما يكون في قلب المؤمن وسمعه وبصره، فإذا رأى رأى به وإذا سمع سمع به، لا سمعه في كذا ورآه في كذا ... ثم يجيء بعد حرف الجر ما شئت من إحصائية حسابية لا تمت إلى الشعر أو إلى الفكر أو إلى عمق الشعر والوجدان بكبير شيء. والمعاني الصوفية من كثرتها وكثرة تناول الناس لها كأنها ملقاة على قارعة الطريق، ومن تناولها فلم يصدر بها عن إيقاع قلبها لم يبلغ بها من مقاصد البيان الحق مبلغًا. ومن كان له قلب عامر بإيقاع الوجد وحرارة الشعر أطاعه تأثير معاني الصوفية حتى حين لا يقصد إلا إلى ظاهر ألفاظهم يستعمله على مذهب التظرف والافتنان البياني- كقول أبي تمام:
أفيكم فتى حيٌّ يخبرني عني ... بما شربت مشروبة الراح من ذهني
ويعجبني قول عبد الرحيم البرعي رضي الله عنه:
أحيباب قلبي هل سواكم لعلتي ... طبيب بداء العاشقين خبير
فجودوا بوصل فالزمان مفرق ... وأكثر عمر العاشقين قصير
وقال الجاحظ: «وأنا رأيت أبا عمرو والشيباني وقد بلغ من استجادته لهذين البيتين ونحن في المسجد يوم الجمعة أن كلف رجلًا حتى أحضره دواة وقرطاسًا حتى