أبا المغيرة والدنيا مفجعةٌ ... وإن من غرت الدنيا المغرور
قد كان عندك للمعروف معرفة ... وكان عندك للنكراء تنكير
وكنت تغشى وتعطي المال عن سعة ... إن كان بيتك أضحى وهو مهجور
الناس بعدك قد خفت حلومهم ... كأنما نفخت فيها الأعاصير
والأبيات مما اختاره أبو العباس في الكامل. قوله «إن كان بيتك أضحى وهو مهجور» أراد به قبره، ويجوز أن يكون قد أراد دار الإمارة، إذ لم يكن ابن زياد لحارثة كما كان أبوه.
وأما طريقة التأليف فقد سبق بعض الحديث عنها في مواضع كثيرة من أجزاء هذا الكتاب وفي الجزء الثالث عند الحديث عن قرض الشعر وشيطان الشعر وحالة الجذب وطريقة القصيدة وأشرنا في باب المبدأ والخروج والنهاية إلى ما كنا قبل قدمناه من أن استهلال الشعراء بالنسيب يراد به إحداث روح من الشجن والحنين وإلى ما قاله ابن قتيبة في الشعر والشعراء في المقدمة حيث ذكر أنه سمع بعض أهل الأدب يذكر أن مقصد القصيد إنما ابتدأ بذكر الديار ليجعل ذلك وسيلة إلى ذكر الأحباب فتهش له الأسماع «لما قد جعل الله في تركيب العباد من محبة الغزل وإلف النساء» فلا يكاد يخلو أحد من أن يكون له بذلك سبب يتعلق به «حلال أو حرام».
وكأن عبارة ابن قتيبة:«حلال أو حرام» فتحت بابًا على مصراعيه لمن يقول بالفروئيدية في تأويل النسيب والمقدمة الطليلة ويفرع على ذلك من الأوهام ما شاء وكأن من يصنع نحو هذا حتى يغلو فيه غلوًّا شديدًا، يبغي بذلك أن يساير بعض ما عليه روح العصر عند النقاد الأوروبيين، ومن هؤلاء من يجيء بما يندى له الجبين في هذا الباب، كما فعل مثلًا الأستاذ جون كيري John Carey في كتابه عن John Donne جون دون الشاعر المعروف بتعمقه (١٥٧٣ م- ١٦٣١)(طبعة لندن ١٩٨١) حيث