للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثال الثاني قول أعشى همدان (١):

حييا خولة مني بالسلام ... درة البحر ومصباح الظلام

لا يكن وعدك برقا خلبا ... ساطعا يلمع في عرض الغمام

واذكري الوعد الذي واعدتني ... ليلة النصف من الشهر الحرام

ومثال الثالث قول المرار (٢):

إنما النوم عشاء طفلا ... سنة تعتادها مثل السكر

والضحا تغلبها رقدتها ... خرق الجؤذر في اليوم الخدر

تطأ الخز ولا تكرمه ... وتطيل الذيل منه وتجر

ما أنا الدهر بناس حبها ... ما غدت ورقاء تدعو ساق حر (٣)

ونغم الرمل كأنما أخذ من المتقارب: فعولن فعولن فعولن، هكذا مطردًا، والرمل كله: فا فعلون فا فعلون هكذا، ولا يخفى أن أصل هذا من ذاك. وموسيقا الرمل خفيفة رشيقة منسابة، وفيه رنة يصحبها نوع من "الملنخوليا". -لا أعني "بالملنخوليا" الجنون -وإنما أعني بهذا الحرف [وقد كان مستعملا عند القدماء] هذا الضرب العاطفي الحزين في غير ما كآبة ومن غير ما وجع ولا فجيعة [وقد استعمل الإنجليز هذا الحرف Melancholy في بدء العصور الحديثة، وكانت الملنخوليا "مودة" عاطفية بين الأدباء على عهد شكسبير].

أزعم أن هذه "الملنخوليا" المتأصلة في نغم الرمل تجعله صالحًا جدًا للأغراض الترنمية الرقيقة وللتأمل الحزين، وتجعله ينبو عن الصلابة والجد وما إلى ذلك. وأسوق


(١) ديوان الأعشى (جابر) ٢٣٩.
(٢) المفضليات: ١٥٨.
(٣) ساق حر: ذكر الحمام.

<<  <  ج: ص:  >  >>