للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضيق البكارة ودم العذرة، لأن هذا المعنى كان في عقله الباطن على مذهب الفروئيدية. وهذا باطل بحت لو ذهب إليه والذي ذهب إليه ابن قتيبة، على جودته ودقته، إنما أراد به تفسير الابتداء بالطلل والنسيب في بعض قصائد المدح. ثم على جودته ودقته لم يجزم به وإنما نسبه إلى أنه سمعه من بعض أهل الأدب يقوله وفي هذا من توهين القول وتمريضه ما لا يخفى (١).

وقد ربط ابن قتيبة بين أمر الوقوف على الأطلال والنسيب وما كان عليه نازلة العمد من العرب من حال الحل والترحال. ولم يفسر لماذا آثر الشعراء مذهب حياة نازلة العمد ولم يكن العرب كلهم نازلة عمد، فأهل يثرب مثلًا كانوا أصحاب آطام وشاعرهم يقول:

أتذكر رسمًا كاطراد المذاهب ... لعمرة أقوى غير موقف راكب

والذي يقول:

أسألت رسم الدار أم لم تسأل.

وهو حسان بن ثابت منهم وهو صاحب فارع، أطمه الذي أوت إليه نساء المسلمين وفيهم من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمته صفية رضي الله عنهم في أيام غزوة الخندق. وقال قيس بن الخطيم في البائية التي تقدم مطلعها يذكر أنهم أهل آطام:

فلولا ذرا الآطام قد تعلمونه ... وترك الفضا شوركتمو في الكواعب

وعندي أن تفسير قوله إن العرب كانوا يؤثرون للشاعر أن يتبدى، لأن ذلك يكون أدنى به إلى القول الصارح والصدق المتوهم في سذاجة البداوة مع الفصاحة والبيان. وقد تعلم أن قريشا وملوك العرب كانت تسترضع أولادها في البدو طلبًا


(١) () على أنه يجوز ألا يكون عني بقوله بعض أهل الأدب إلا نفسه، وفي كتاب الحيوان ما يدل على أن مثل هذا القول قد كان يرد في كلام أدباء زمانه. من شواهد ذلك مثلًا حديث الجاحظ عن عادة الشعراء في قتل الثور الوحشي ونجاته وسؤال المنصور عن ذكر المسجد في باب الأطلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>