للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للفصاحة، ولتمتزج البداوة بنشأتهم، إذ كانت حياة العرب حاضرهم وباديهم أمرًا متداخلًا، ولذلك زعم التوحيدي في حديثه عنهم في كتاب الإمتاع والمؤانسة أنهم كانوا في باديتهم حاضرين، وروى المرزباني في الموشح بمعرض الحديث عن النابغة أنه أرتج عليه فاستعان بزهير فأشار عليه هذا أن يخرجا إلى البرية لأن «الشعر البري». وعين هذا المعنى في خبر الفرزدق الذي ذكرناه عند الحديث عن حالة الجذب حين أرتج عليه فلم يستطع أن يقول حتى خرج إلى البرية وأتى جبلًا خارج المدينة يقال له ريان، قال: «ثم ناديت بأعلى صوتي أخاكم أخاكم -يعني شيطانه- فجاش صدري كما يجيش المرجل فعلقت ناقتي وتوسدت ذراعها فما قمت حتى قلت مائة بيت من الشعر وثلاثة عشر بيتًا إلخ» والخبر في الجزء التاسع عشر من كتاب الأغاني لأبي الفرج.

قول المعاصرين «المقدمة الطللية» إن أرادوا به أنه أمر عام في كل القصائد القديمة وأنه مذهبها، قول ينبغي أن يحترز من الأخذ به، بعض القصائد لهن مقدمات «طللية» وبعضهن لهن مقدمات من نسيب وما يجري مجراه. وبعضهن مقدماتهن غير ذلك كله. وقد سبق منا أن بينا أن الشاعر له مذهبان في افتتاح القصائد، أولهما أن يخلص إلى الغرض بلا تقديم من طلل أو نسيب أو ما إلى ذلك، والثاني أن يجعل له مقدمة من الطلل والنسيب وما إليه ٠ ذكرنا ذلك في معرض الحديث عن المبدأ والخروج والنهاية.

وأجود ما قيل في هذا الباب كلمة الكميت بن زيد، وكان من العلماء، ومعلمًا وقريب العهد من زمان حياة الشعر القديم، ومن أهل الفصاحة الذين يستشهد بكلامهم وهي أول بائيته حيث قال:

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ... ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب

على تقدير همزة الاستفهام أي أو ذو الشيب يلعب وقد يروى البيت بهمزة الاستفهام بلا واو: أذو الشيب يلعب.

<<  <  ج: ص:  >  >>