فبين الكميت ههنا أنه مستهل قصيدته بالطرب يجعله توطئة وتمهيدًا. وقوله الطرب أدل وأصح من قولنا النسيب والطلل. وقد سبق أن فسرنا أن قولنا النسيب (١) نعني به قصد الشعراء إلى إثارة الحنين، فهو على هذا استعمال مجازي من باب إطلاق البعض على الكل وكذلك قول بعض المعاصرين «المقدمة الطللية» إذا أرادوا به هذا الوجه، أما إذا أرادوا به التعميم وهو ظاهر ما عليه سير كلامهم، فذلك خطأ بلا ريب.
ثم فسر الكميت بعض جوانب هذا الطرب كما كان يطربه الشعراء ليتبرأ منها، ويزعم أن طربه أسمى وأعلى قدرًا وأشرف معنى.
ولم يلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطربني بنان مخصب
فذكر الدار والرسم وهي المقدمة الطللية، ثم ذكر ذات البنان المخضب وهي المرأة المحبوبة وذلك النسيب والغزل والتشبيب.
ولا السانحات البارحات عشية ... أمر سليم القرن أم مر أعضب
وذلك العيافة وذكر الطير وربما بدأوا به القصائد.
ثم بين أن طربه كان لأمر من أمور الجد.
ولعلنا إن استعنا بالمعنى المستكن في كلمة الكميت أن نزعم بأن الشعر كله طرب، وأن مقدمات قصائده تمهيد طربي لهذا الطرب، كما يمهد أصحاب الأغاني والموسيقا للتأليف الرئيسي بأشياء من النغم المنطلق المرتجل أو الذي كأنه مرتجل.
هذا التمهيد الطربي قد يستغنى عنه الشاعر ويكتفي بالشيء الموجز كالنداء وقولهم ابني ويا كذا يذكرون اسمًا في الوصايا ويا عين في المراثي وما أشبه.