للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حين ألقت بقباء بركها ... واستحر القتل في عبد الأشل (١)

كم ترى بالجر من جمجمة ... وفتى أبيض وضاح رفل

وقول سويد بن أبي كاهل (٢):

كيف يرجون سقاطي بعدما ... جلل الرأس بياض وصلع

ساء ما ظنوا وقد أبليتهم ... عند غايات المدى كيف أقع

رب من أنضجت غيظًا قلبه ... قد تمنى لي شرًا لم يطع

ويراني كالشجا في حلقه ... عسرًا مخرجه ما ينتزع

مزبد يخطر ما لم يرني ... وإذا أسمعته صوتي انقمع

فهذان الكلامان تصحبهما رنة من الملنخوليا الشجية، وهي خفية المدخل. هذا مع أن الكلمتين كلتيهما في الفخر، والفخر -كما يبدو- من أبعد الأشياء عن الملنخوليا. ولكن الفخر هنا ليس بنفج خشن، وإنما هو تغن وترنم، ولعل القصة التي يذكرها الرواة من أن الحجاج كشف عن رأسه يوم رستا قباذ (٣)، وأخذ بقدح وجعل يضرب به صلعته وينشد أبيات سويد، والقصة الأخرى التي يروونها عن يزيد بن معاوية من أنه لما بلغه خبر الحرة جعل ينكت الأرض ويتمثل ببعض أبيات ابن الزبعري، لعل هاتين القصتين توضحان ما ذكرناه من ملنخوليا الرمل. الأميران كلاهما في موقف ظفر، ولكنه ظفر نيل بتشقيق الرحم ووتر ذوى الشرف والمروءات من رجالات العرب. ولذلك شابت الظفر عند كليهما شوائب من الشعور بالخطأ، والرغبة في تبرير ما ارتكبا من الجلائل. ألا تراهما ينقران الأرض وينكتانها


(١) قوله: عبد الأشل، عنى عبد الأشهل، من بطون الأنصار.
(٢) المفضليات ٣٨١ - ٤٠٩.
(٣) الشعر والشعراء ١ - ٣٨٤، وراجع أخبار الحجاج في الجزء الخامس من تاريخ الأمم والملوك للطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>