وهلم جرا. ولكنك بعد ان تقرأ القصيدة كلها لا تملك أن تحس فيه وفي ما يليه من الصفات استشعارًا لمعاني العتاب فيما بين النابغة والنعمان بن المنذر فلأمر ما مثلًا اختار النابغة اسم العلياء والسند في مستهل المطلع ثم زعم أن ذلك قد أقوى ومر عليه زمن بعيد إلخ». وقال ابن رشيق في باب عمل الشعر وشحذ القريحة له، إن الشاعر إذا فتح له نسيب القصيدة فقد ولج من الباب ووضع رجله في الركاب وما جعل أول النسيب بابًا وركابًا إلا لدلالته على الغرض. ونقل ابن رشيق في العمدة عن الحاتمي أنه قال:«من حكم النسيب الذي يفتتح به الشاعر كلامه أن يكون ممزوجًا بما بعده من مدح أو ذم متصلًا به، غير منفصل منه، فإن القصيدة مثلها مثل خلق الإنسان في اتصال بعض أعضائه ببعض، فمتى انفصل واحد عن الآخر وباينه في صحة التركيب غادر بالجسم عاهة تتخون محاسنه، وتعفى معالم جماله، ووجدت حذاق الشعراء وأرباب الصناعة من المحدثين يحترسون من مثل هذه الحال احتراسًا يحميهم من شوائب النقصان ويقف بهم على محجة الإحسان».
وقد نقض الحاتمي بآخر كلامه أوله، لأن اتصال النسيب والطلل وما إلى ذلك بغرض الشاعر في كلام الأوائل أظهر منه في كلام حذاق المحدثين. وكأن الحاتمي نظر في هذا الذي قال به إلى كلام أرسطو طاليس عن وحدة الفعل في المأساة والملحمة وهو الذي يقول له الناس الآن الوحدة العضوية إذ أخذ على بعض غير الحذاق من شعراء قومه أنهم يديرون الوحدة في نظمهم على بطل الحكاية، يجعلون كونه واحدًا كافلًا