فذكر الشاعر في مطلعه عفاء الديار وعين مواضعها وجعلها ذوات آثار بالية كآثار نقوش القدماء ثم ذكر الدمن وقد نبهنا إلى ما في ذلك من كناية عن الضغينة والحقد ثم ذكر المطر المتتابع وحلول الوحش مكان الأنيس.
فعلا فروع الأيهقان وأطفلت ... بالجلهتين ظباؤها ونعامها
وهذا المطلع فيه شبه بمطلع زهير إلا أن زهيرًا يتساءل. وفيه شبه بمطلع الحارث إلا أن الحارث كأنه لا يبالي:
رب ثاو يمل منه الثواء
وقصيدة لبيد فيها مع ظاهر الصرامة ميل إلى وصل الحبال:
فاقطع لبانة من تعرض وصله ... ولشر واصل خلة صرامها
وأحب المجامل بالجزيل وصرمه ... باق إذا ضلعت وزاغ قوامها
وهذا المعنى تجده كأنه تمهيد لما صرح به من بعد حيث قال:
غلبٍ تشذر بالذحول كأنها ... جن البدى رواسيا أقدامها
أنكرت باطلها وبؤت بحقها ... عندي ولم يفخر علي كرامها
وفي مقال لبيد روح اعتداد وتحد. وفي مقال الحارث إظهار تظلم وشكوى. وكلا وجهي مقالهما مستمدان من طبيعة مطالعهما. لبيد يتحدث عن مضي السنين بعد عهد الأنس وإعقاب ذلك العفاء. ويقف من المحبوب موقف الند يجزيه صرمًا بصرم ووصلًا بوصل إن آب إلى المودة. والحارث يزعم أن المحبوب هو الذي آذن بالبين، وإن يبن فعسى القلب حقًّا أن يكون قد مله، فهذه شكوى في الظاهر تتضمن عدم المبالاة.
ولله در الجاحظ إذ قرن بين خبري لبيد والحارث بن حلزة في باب الخصومة ثم