بعد أن ساق خبر لبيد مع الربيع بن زياد وانتصافه منه قال:«والعربي يعاف الشيء ويهجو به غيره فإن ابتلي بذلك فخر به ولكنه لا يفخر به لنفسه من جهة ما هجا به صاحبه فافهم هذه، فإن الناس يغلطون على العرب ويزعمون أنهم قد يمدحون الشيء الذي قد يهجون به وهذا باطل فإنه ليس شيء إلا وله وجهان وطرفان وطريقان فإن مدحوا ذكروا أحسن الوجهين، وإن ذموا ذكروا أقبح الوجهين. والحارث بن حلزة فخر ببكر بن وائل على تغلب. ثم عاتبهم عتابًا دل على أنهم لا ينتصفون منهم» أ. هـ. قلت وهذا نص في معنى ظاهر الشكوى الذي قدمناه. ثم ساق الجاحظ أبياتًا من الهمزية وقال الأعشى:
ودع هريرة إن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعًا أيها الرجل
ونفس البداية مع كونه يذكر وداعًا ورحيلًا وأنه لا يطيق ذلك فيه خفة ومرح مصدره قوله:«وهل تطيق وداعًا أيها الرجل». روح هذا الخطاب هي المشعرة بمذهب الفكاهة والقصيدة من بعد تخاطب رجلًا وتقول له:
أبلغ يزيد بني شيبان مألكة ... أبا ثبيت أما تنفك تأتكل
وقال النابغة:
يا دار مية بالعلياء فالسند
وقد سبق الحديث عن هذا المطلع والأبيات التي بعده ويلاحظ أن اسم المحبوبة ههنا «مية» كما هو في المتجردة. وقد قيل إن كلمته.
أمن آل مية رائح أو مغتدي ... عجلان ذا زاد وغير مزود
كانت سبب مفارقته النعمان إذ خاف من الوشايات وعواقبها وكان رجلًا عربيًّا حازمًا، وكان النعمان في أخبارهم سريعًا إلى سفك الدماء. ومن الشعر المأثور وليس من هذا الباب، ولكن الشيء بالشيء يذكر قول صاحب ابن عمار الطائي. الذي