كأنه يستكثر -والله تعالى أعلم- توالي أربعة أشطار بالتصريع ولا يخفى ما في ذلك من قوة الترنم. وفي شرح ابن الأنباري للقصائد السبع قال:«قال يعقوب سمعت أبا عمرو ويقول لم أكن أروي هذا البيت لعنترة حتى سمعت أبا حزام العكلي ينشده له» أ. هـ. يعقوب هو ابن السكيت قتيل المتوكل (٢٤٤ هـ) وأبو عمرو هو الشيباني لا أبو عمرو بن العلاء. ويدلك على أن بيت عنترة:
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
أنه هو أول القصيدة ما يحمله من معنى ظاهر التردد والإحجام مع أن النية صادقة على الإقدام، وهذا كقوله من بعد:
ولقد حفظت وصاة عمي بالضحى ... إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم
إذ يتقون بي الأسنة لم أخم ... عنها ولكني تضايق مقدمي
لما رأيت القوم أقبل جمعهم ... يتذامرون كررت غير مذمم
وهو جار على طريقتهم في إيحاء المطالع بما سيجيئ بعد من أغراض القول وفنونه وقال الحماسي:
خيال لأم السلسبيل ودونها ... مسيرة شهر للبريد المخبب
معاذ الإله أن تكون كدميةٍ ... ولا ظبيةٍ ولا عقيلة ربرب
ولكنها زيدت على الحسن كله ... كمالًا ومن طيبٍ على كل طيب
فهذا كما ترى متبرم بأن الشعراء لم يدعوا تشبيهًا في مطالع النسيب إلا ذكروه فلا يريد أن يكرر ذلك فيقصر عن صفة أم السلسبيل ولعل قوله «أم السلسبيل» كنية اخترعها يصف بها حلاوة ما زوده إياه ثغر طيف الخيال. والسلسبيل من ألفاظ