للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذات غور ما تبالي يومها ... غرف الإبريق منها والقدح

وإذا ما الراح فيها أزبدت ... أفل الإزباد فيها فامتصح (١)

وإذا مكوكها صادمه ... جانباها كر فيها فسبح (٢)

فترامت بزجاج معمل ... يخلف النازح منها ما نزح (٣)

تحسب الزق لديها مسندا ... حبشيا نام عمدا فانبطح (٤)

ولقد أغدو على ذي عتب ... يصل الصوت بذي زيز أبح (٥)

فترى الشرب نشاوى كلهم ... مثلما مدت نصاحات الربح (٦)

بين مغلوب كريم خده ... وخذول الرجل من غير كسح (٧)

الأعشى والأخطل كما ترى يقولان كلاما واحدا من حيث المعنى الظاهر، وللأعشى فضيلة السبق. وبالرغم من التشابه الشديد بين الكلامين في المعنى، فالفرق عظيم جدًا من حيث الموسيقا والتأثير الشعري العام. ومصدر هذا الفرق عندي هو اختلاف الوزن، واختلاف أغراض الشاعرين العاطفية التي نشأ من جرائها اختلاف الوزن، تأمل كلام الأخطل تجد نغم البحر الطويل منزويًا وراءه حتى إن معاني الشاعر وجرس كلماته يصل إلى سمعك أبرز وأوضح منه. وتأمل كلام


(١) امتصح: ذهب، والمعنى أنه إذا الراح أزبدت في هذه الباطية الواسعة لم يرد الإزباد، وسرعان ما يأفل لكثرة الخمر ويذهب قبل أن يصل إلى الجانبين ويسيل من الأطراف.
(٢) المكوك: قدح صغير.
(٣) النازح: الغارف، من نزحت البئر: إذا أخذت من مائها فهي منزوحة.
(٤) نام عمدا: قال هذا الكلام ليعطيك صورة الزق وأطرافه شائلة.
(٥) ذو العتب: العود لأن مقبضه مدرج فيه مفاتيح تحركها الأصابع. والزير: من أوتار العود. وعنى به هنا الوتر من حيث هو، لا وترا خاصا.
(٦) الربح كجرذ: القرد. والنصاحات: الحيال، ويشير هنا إلى حبال القرود حينما يلعب بها المضحكون فهي تتواثب وتنزو وكذا السكارى.
(٧) الكسح: داء.

<<  <  ج: ص:  >  >>