المسكين كيد تدبير خفي من المعتزلة؟ ومن أميرهم أمير المؤمنين المأمون؟ على أن المأمون قد كان معروفًا له الحلم وسعة الصدر، ذكروا أن دعبلًا هجاه فلم يصبه منه شيء، وإن الحسين بن الضحاك أسرف في رثاء الأمين ثم إنه عفا عنه ولم ينله بأذى، وقد عفا عن عمه إبراهيم بعد خروجه عليه ودعاء بغداد له بالخلافة. ومع هذا لم يسلم من فتلك المأمون بعض من لم يسعهم رضاه، أولهم أخوه الأمين ثم وزيره الفضل بن سهل وقائده هرثمة بن أعين، وقد تخطفت السيوف من قال له:«يا أمير الكافرين» في ساعته، ومع أن سوء أدبه قد جر عليه ذلك، ما كان من تخطفوه بأسيافهم ليفعلوا ما فعلوه على غير ثقة من أن المأمون سيرضى عنه وقد فعل شيئًا مثل ذلك أشياخ الروم بأحد زملائهم في المجلس، في ما ذكره مؤرخوهم، أوائل عهد الإمبراطورية بالاستبداد، فتأمل. وقد ذكروا أن المأمون أمر بعلي بن جبلة العكوك فاستل لسانه من أصله لقوله في أبي دلف:
إنما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره
ولعل استلال لسان علي بن جبلة العكوك أن صح قد كان له سبب أعمق من مجرد فرط الغلو في مدح أبي دلف، وما كان أبو دلف إلا من خدم الخلافة مذعنًا لها كل الإذعان، وأنكر ابن المعتز هذا الخبر وجزم أن علي بن جبلة مات حتف أنفه وما أشبه هذا أن يكون هو الصواب، والله أعلم (١).
خلاصة القول إن أبا نواس لم يخرج عن مذاهب الشعراء في المبدأ والمطالع
(١) () ذكر نشوان بن سعيد في رسالة الحور العين (مصر ١٩٤٨ م ص ١٩٢/ ١٩٣) أن النواسي مات قتيلًا قال فيما قاله إن أبا نواس كان في متنزهٍ مع قوم يتشيعون فعمل فيهم الشراب فقاموا إلى أبي نواس فداسوا بطنه فلم يزل يضع أمعاءه حتى مات. أ. هـ.