للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سبق التنبيه إلى التحام آخر هذه القصيدة بأولها وقوة دلالة مطلعها ومقطعها على سائر معانيها في معرض الحديث عن النعت والغزل والوداع والظعائن. ونزيد تنبيهًا ههنا على أن قوله في المطلع:

أفاطم قبل بينك متعيني ... ومنعك ما سألت كأن تبيني

ينبئ بأن فاطمة لم تبن عنه إلا بمنعها وصدها، وقد افتن فحولها ظعينة ووصف ما شاء الله، ثم جعلها مقيمة وهو الظاعن وافتن علف وصف ناقته ورحلته ما شاء، والرحلة تسلٍّ وانصراف عن الغزل إلى ممدوح ما جد، ثم إذا الممدوح الماجد كفاطمة وذلك قوله بعد اتحاده مع ناقته ومناجاتها -كما ذكر أبو عبيد البكري:

إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوه آهة الرجل الحزين

إلى عمرو ومن عمرو أتتني ... أخي النجدات والحلم الرصين

فإما أن تكون أخي بحق ... فأعرف منك غثي من سميني

وإلا فاطر حني واتخذني ... عدوًّا أتقيك وتتقيني

وهذا كقوله في أول القصيدة:

ولا تعدى مواعد كاذبات ... تمر بها رياح الصيف دوني

فإني لو تخالفني شمالي ... خلافك ما وصلت بها يميني

إذن لقطعتها ولقلت بيني ... كذلك أجتوي من يجتويني

ولو كان جعل قوله: وإلا فاطر حني إلخ ... آخر كلامه، لكان وجهًا، ولكانت قصيدته محكمة متشابكة منبئة الأول بمعنى الآخر، مفصحة الآخر عن معاني الأول مع ما خالط ذلك من الافتنان بالوصف ورمزية الوصف -الوصف لأنه مقصد فني من مقاصد الشعر يعمد إليه لذاته، ورمزية الوصف لحسن تعبيرها وإنبائها عن حال ما كان عليه من طلب وتعذر مطلب وأمل وصل ومودة وخوف غدرٍ وهجر وتنكر

<<  <  ج: ص:  >  >>