وحرمان. ولكنه لو فعل ذلك لكان أخطأ بلوغ الحكمة وهي ذروة ما يسمو إليه الشعر الجيد الرفيع فقوله:
وما أدري إذ يممت أرضًا ... أريد الخير أيهما يليني
ملتفتٌ فيه إلى قوله:
إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوه آهة الرجل الحزين
وهي ناقته ونفسه معًا، وهذا جوهر معنى المناجاة الذي نبه عليه أبو عبيدة في سمط اللئالي. وجلي ههنا أنه متردد أيرحلها أم لا يرحلها حيث قال:«وما أدري إذا يممت ارضًا» ... قد غضب من صد فاطمة فأزمع هجرها كما هجرته كما لخص المذهب لبيد حيث قال من بعد:
فاقطع لبانة من تعرض وصله ... ولشر واصل خلةٍ صرامها
أو أزمع التسلي عنها باليسير إلى ماجد ممدوح كما قال علقمة:
فدعها وسل الهم عنك بحسرة ... كهمك فيها بالرداف خبيب
والآن إذ يرحل ناقته يريد عمرًا، فإن خيب عمرو هذا أمله فإنه سيغضب منه ويعده عدوًّا ويتقيه ... ثم ماذا بعد ... أي جانب من الأرض ينتجع بعد هذا الهجران وبعد هذا الحرمان ... أيعود أدراجه خائبًا؟ أم هذه الدنيا عناء ... وكل رحلة إلى محبوب أو مأمول، فاطمة أو عمرو، غايتها غيب، المرء يريد الخير، ونهايته الموت، أصاب في ما يسعى إليه نجاحًا أو لم يصب.
هذه الحكمة:
وما أدري إذا يممت أرضًا ... أريد الخير أيهما يليني
أالخير الذي أنا ابتغيته ... أم الشر الذي هو يبتغيني