ذروة بيان المثقب في هذه النونية وخلاصة كل ما رمز به وكني وصرح من معاني السعي وأمل الوصل وخوف الصد والهجران ... خاتمة رائعة ومقطع نبيل. وقال عنترة بع أن وصف إقدامه وجلي عن نفسه:
ولقد خشيت أن أموت ولم تدر ... للحرب دائرةٌ على ابني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لقيتهما دمي
ويروى «إذا لم ألقهما» والمعنى متقارب، أي الناذرين دمي إذا لقيتهما في الحرب، يقولان ذلك فيبلغني.
إن يفعلا فلقد تركت أباهما ... جزر السباع وكل نسر قشعم
وهذا مشعر بالنهاية كما ترى. وقوله لقد تركت أباهما أي لهما عندي مثلما لقي أبوهما، فهذا يخيفهما به، ثم لو قتلاني، لم يعدوا بذلك أن يصيبا بمقتلي ثأر أبيهما، فهما بنذرهما دمي قد جعلاني كفئًا لدمه، ففيم يشتمان عرضي ويقولان مثلًا إنما عنترة عبد زنيم، ولا يخفى على هذا التأويل ما يتضمنه هذا المقطع من تهكم مرعب مر. وآخر كلمة طرفة بن العبد قوله:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
سيأتيك بالأخبار من لم تبع له ... بتاتًا ولم تضرب له وقت موعد
أو كما يروى:«ويأتيك بالأخبار» وهذا البيت الثاني إنما هو ترنم بمعنى البيت الأول وقريب من لفظه وأما البيتان:
لعمرك ما الأيام إلا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزود
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فإن القرين بالمقارن يقتدي
فليسا من كلام طرفة على الأرجح ونبه التبريزي على أنهما ينسبان إلى عدي بن زيد وما أشبههما بمذهب تقوى زهير وحكمة شيخوخته وتجاربه وليس هذا ببعيد من مذهب