عدي فقد كان صاحب تأمل وأحزان وكان على دين النصارى وإنكار نسبة البيتين إلى طرفة وعدم ثبوت صحة روايتهما له قديم وهو الصواب إن شاء الله. وبيتا طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له ... بتانًا ولم تضرب له وقت موعد
مقطع القصيدة بلا ريب، قوله بتاتًا مفعول به لقوله لم تبع له أي لم تشتر له بتاتًا تزوده به والبتات زاد المسافر وهكذا فسرها التبريزي وفسرها الزوزني بمتاع المسافر وأداته وكسائه وليس ببعيد وأردنا بهذا التنبيه على أنها ليست كقوله لا أكلمه بتاتًا وطلق امرأته بتاتًا وهو بمعنى قد يتبادر إلى ذهن الحدث الناشئ والله الموفق للصواب.
ومما بيت النهاية فيه متصل بما قبله قول المسيب بن علس في آخر عينيته البليغة:
أرحلت من سلمى بغير متاع ... قبل العطاس ورعتها بوداع
قال يمدح القعقاع بن معبد بن زرارة من سادة بني تميم:
أنت الوافي فما تذم وبعضهم ... تودي بذمته عقاب ملاع
وإذا رماه الكاشحون رماهمو ... بمعابلٍ مذروبة وقطاع
ولذا كمو زعمت تميمٌ أنه ... أهل المكارم والندى والباع
أي أطبقت على أنه السيد، وليست زعم التي هذا مطية الكذب، ولكن التي تفيد التأكيد كما في قوله تعالى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} أي كفيل وقوله «تودي بذمته عقاب ملاع» أي لا ذمة له. وأصله من الامتلاع وهو الاختلاس والمر السريع وعقاب ملاع أي العقاب السريعة الخطافة السريعة الأخذ والطيران، كأنه عقاب خطاف، مضاف ومضاف إليه، بوزن قطام، وخطاف تمثيل نمثل به لقوله ملاع أي عقاب الخطف والاختلاس والأخذ السريع، جعل ذلك كناية عن ذهاب الذمة كأنما خطفتها عقابٌ فأودت بها.