للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب

وهذا من وزن رجز دريد بن الصمة الذي قتل في نفس الغزوة (١):

يا ليتني فيها جذع الخ.

وهذه الشواهد جميعها، مما يذكرنا ومالم نذكر، من قبيل الاتفاقات النادرة، ولا تقوم بها للملحد حجة، ومثلها كثير في الكتب النثرية البحتة (٢). إلا أن العلماء كانوا يخشون عددها أن يزيد، إن هم توسعوا في البحور، وتسهلوا في أمر الزحاف والعلل. كما كانوا يخشون أن يحاكي بعض الزنادقة آيات بأعيانها من القرآن، ويضع على طرازها شعرًا، وليس هذا الفرض ببعيدٍ، فقد كان الزنادقة يحاولون كل وسيلة ليهجنوا من قدر القرآن ويشنعوا عليه.

وثم عامل ثالث سوى ما ذكرنا، من نفس طبيعة البحور العربية، أعان العلماء جدًا على مسلك التضييق الذي سلكوه. وهو أن أهم الأوزان وأجملها، وأحبها إلى الأسماع، وأقواها على البقاء، وأكثرها تصرفًا ودورانًا في المنظوم، كانت كلها داخلة تحت نطاق الدوائر الخمس، لكان نظام العروضيين قد انهار من أوله إلى آخره.

وكلا الناقد والشاعر في عصرنا هذا، يجد من ضيق الأوزان العربية وانحصار عددها عنتا، ويود لو كان العلماء قد تسهلوا وتيسروا شيئًا، ولم تستبعدهم دوائر


(١) قاله لما نازعه مالك بن عوف النصري الراي قبل تلقى هوازن المسلمين، وانظره في سيرة ابن هاشم ٤ - ٦٧.
(٢) عثرت على الاشطار الآتية الهزجية في صفحة واحدة من بخلاء الجاحظ (الحاجري مصر ١٩٤٨ - ٩٠) "فاني عندهم مسلم" و "قد اعتقد القوم" "وكنيتني أبو الحرث" "ولفظي لفظ عربي". وفي الأصل ضبط "لفظ" بالرفع والتنوين وجعل "عربي" صفة لها لا مضافًا إليه- وما ذكرناه أجود. ولا أعرف إن كان أصل الحاجري المخطوط مضبوطًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>