الخليل كل الاستبعاد. وكم يتمنى المرء لو أن الشعراء الأوائل، ولا سيما المحدثين من طبقة بشارٍ وأبي نواس، كانوا أكثر تحررًا، وأقل تقليدًا واتباعًا للأوزان القديمة.
وشكوى النقاد والشعراء المعاصرين من نظام القافية العربية أشد وأمر، إذ القافية في نظرهم قيد ثقيل، يمنع من التعبير الصحيح، ويشغل الشاعر عن الاسترسال في معاينه، بالتفتيش عن أحرف الروي المناسبة. وهذه الحجة في ذاتها ضعيفة، لأن اللغة العربية واسعةٌ جدا. وبنيتها تساعد على كثرة القوافي، إذ فيها أكثر من ستين ألف أصلٍ ثلاثي ورباعي، وكل أصل من هذه الأصول له نظائر عدة تنتهي بمثل الحرف الذي ينتهي به ذلك الأصل، نحو "ضرب، كتب، طرب، سلب، هرب، أرب، رغب" وهلم جرا. ونحو (هدم، لثم، إرم، برم، علم، ألم) وهلم جرا .. ثم إن هذه الأصول فيها نحو عشرين ألف أصل، ذي فروع ومشتقات. وهذه المشتقات تنتهي بنفس الحروف التي تنتهي بها أصولها في الغالب نحو "كاتب وكتب وكتّب وكتائب، وسلب وسليب وسالب وأسلاب". وما لا ينتهي منها بحروف أصولها نحو:"فرحان من فرح، وحسناء من حسن" يقع في صيغ تعين على كثرة القوافي كباب فعلان وفعلاء وفعلن كضيفن.
ولا تنس الضمائر فإن لها في تيسير القوافي أثرًا عظيمًا.
وكل هذا يجعل الكلمات المتشابهة الأواخر كثيرة جدًا في القاموس العربي، حتى إن أمر السجع والتقفية، يصير سهلًا للغاية. وقد أدرك إسمعيل بن حماد الجوهري وأضرابه من أصحاب المعاجم هذه الظاهرة في بنية الكلمة العربية، فقسموا أبواب القواميس بحسب أواخر الكلم، وكأنهم راعوا في ذلك أن ييسروا طلب القوافي للشعراء.
ولا شك أن التزام القافية في الشعر العربي جاء نتيجة لتجارب طويلة من