للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله: «سألنا فأعطيتم وعدنا فعدتم» إشارة إلى ما كان من تحمل سيدي يبني مرة عبء الديات، والتحذير لسفهاء القوم أن يحسبوا أنهم كلما جنوا احتمل عنهما السيدان تبعة جرائرهم، تأمل قوله:

لعمرك ما جرت عليهم رماحهم ... دم ابن نهيكٍ أو قتيل المثلم

ولا شاركت في الموت في دم نوفلٍ ... ولا وهبٍ منهم ولا ابن المخزم

فكلا أراهم أصبحوا يعقلونه ... صحيحات مالٍ طالعات بمخرم

ويروى:

فكلا أراهم أصبحوا يعقلونه ... علالة ألف بعد ألف مصتم

تساق إلى قومٍ لقومٍ غرامةً ... صحيحات مالٍ طالعات بمخرم

والمخرم الطريق في الجبل. وإنما سقنا هذه الأبيات لنوضح بها معنى قوله:

سألنا فأعطيتم وعدنا فعدتم ... ومن يكثر التسأل يومًا سيحرم

وظن بعض من تناول هذا الباب من المعاصرين أن هذا الكلام لا يناسب شخصية زهير وأحسبه توهم أن قوله «سألنا» ههنا استجداء يستجديه لنفسه، وشأن القصيدة أمرٌ عظيم راجع إلى ما قدمناه لا إلى أن هذا استجداء شخصي.

ولعل من لم ير وهذين البيتين إنما كره كسرة ميم يحلم وميم سيحرم وقد سبق الحديث منا عن ذلك، ونضيف إليه ههنا أن كثيرًا من الرفع والنصب والخفض كان يقع من العرب لكلامهم تحسينًا له وافتنانًا فيه، ثم صار ما غلب هو القواعد، وقد قالوا:

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرةً ... ولا ناعبٍ إلا ببينٍ غرابها

وقالوا:

رسم دارٍ وقفت في طلله ... كدت أقضي الحياة من جلله

<<  <  ج: ص:  >  >>