هذا والتقديم والتأخير الذي وقع في هذه القصيدة مما يقوى ما يذكر من خبر ارتجالها وغمز أبو عثمان الحارث بأنه عمد إلى الفخر وأشعر بأن قومه مع ذلك لا ينتصفون من عدوهم، وما أحسبه غاب عن أبي عثمان أن الحارث قد كان أحرص على الانتصار على خصمه باكتساب جانب الملك، فعسى أن يكون هذا هو السبب في اتخاذ مظهر المظلوم وإلباس خصمه مظهر الظالم.
وذكر صاحب التراتيب الإدارية في باب في اعتناء الصحابة بحفظ وضبط ما كانوا يسمعون منه عليه الصلاة والسلام وكيفية ذلك قال:«أخرج أبو نعيم عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه عند صلاة العشاء فقال احتشدوا للصلاة غدًا فإن لي إليكم حاجة فقال رفقة منهم دونك أول كلمة يتكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت التي تليها وأنت التي تليها لئلا يفوتكم شيء من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم» أ. هـ. قال الشيخ عبد الحي الكتاني المغربي رحمه الله صاحب الكتاب المذكر (طبع سنة ١٣٤٦ هـ بالرباط ثم صور بعد ببيروت وانظر ٢ ط ٢٣٦ - ٢٣٧): «قلت: هذه أصول علم الاختزال اليوم» أ. هـ. وإنما سقنا هذا التنبيه على أنه إن يكن الحارث قد ارتجل الهمزية، وهو الخبر المروي فيكون حفضها لتروى قد كان على نحو من هذا المنهج الذي نبه عليه الشيخ عبد الحي الكتاني رحمه الله، ثم قد كان أهل الحيرة يكتبون وجاءت الخبار بأن ملوكهم كانوا يدون لهم ما يمدحون به. وليس تدوين كلمة الحارث كتابة بمسلمها من ان يقع فيها التقديم والتأخير، ولو قد كانت رويت أولًا على طريقة الحفظ والغناء الركباني فلربما كان ذلك أضبط لها.
هذا، وقصيدة امرئ القيس المعلقة ربما إنها ليست بذات انتهاء واضح. قال ابن رشيق في أواخر باب المبدأ والخروج والنهاية: «ومن العرب من يختم القصيدة فيقطعها والنفس بها متعلقة وفيها راغبة مشتهية ويبقى الكلام مبتورًا كأنه لم