للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الرمل رقة وعذوبة مع ما فيه من الأسى. ولذلك أكثر منه الغزلون أمثال ابن أبي ربيعة. وقد تعاطاه بعض العراقيين الذين كانوا ينظمون في الملاحم والأحداث. والشعر الغزلي يناسب الرمل أكثر من هذا النوع الآخر الملحمي. لأن ذكر الملاحم -لا سيما في معرض المفاخرة والمنافرة- يحتاج إلى رنة قاسية غليظة، وفحوى معاني الفخر وما إليه تتنافر مع رقة الرمل وملنخولياه. وما أظن الذين استعملوه من أصحاب الملاحم فعلوا ذلك إلا لخفة هذا الوزن وسهولته في الحفظ. فمن هنا أصابوا، ولكنهم خطئوا من حيث عدم مناسبة هذا الوزن لأغراضهم. وقد فتح باب الرمل في هاته الناحية الملحمية، في الإسلام، نابغة بني جعدة، إذ نظم في صفين كلمة لامية طويلة تأثر فيها عبد الله بن الزبعري، منها قوله المشهور:

ليت شعري عن أناس درجوا ... أهل صفين وأصحاب الجمل

وجانب الرقة فيها واضح. وفيها تندم على ما كان من انشقاق المسلمين واحترابهم. [وقد ذكر جانبا من هذه القصيدة نصر بن مزاحم في كتابه عن صفين] (١).

وقد قلد أعشى همدان نابغة بني جعدة بلامية مطلعها (٢):

اكسع البصري إن لاقيته إنما يكسع من قل وذل

وليست هذه القصيدة موجودة بأكملها في ديوانه. إذ ليس فيه منها (طبعة أوروبا - جاير) غير أحد عشر بيتا. وأرجح أنها كانت طويلة كسائر ملحميات أعشى همدان، وأن أيدي الزمن قد عبثت بها. وما بأيدينا منها ليست فيه ذرة من رقة الرمل وملنخولياه. خذ قوله مثلا:


(١) طبعه عبد السلام هرون، بمصر.
(٢) ديوانه ٣٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>