للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفخرتم أن قتلتم أعبدًا ... وهزمتم مرة آل عزل

نحن سقناهم إليكم عنوة ... وجمعنا أمركم بعد فشل

وعفونا فنسيتم عفونا ... وكفرتم نعمة الله الأجل

فهذا كلام غليظ خشن، وبحر الرمل لا يناسبه. ولذلك تجده فاقدًا للموسيقا والرنين، إذ أن رنين الشعر لا يتم إن لم يوافق معناه طبيعة نغمه ووزنه.

وقد أردك بعض المرفقين من طبقات المولدين الأولين رقة الرمل وعذوبته فتعاطوه في غزلياتهم، واستغلوا ناحية الملنخوليا والأسى فيه، لتصوير مجونهم وغرامياتهم. من ذلك ما فعله بشار في رائيته الرملية الفاجرة حيث يقول (١):

أمتى بدد هذا لعبي ... ووشا حي حله حتى انتثر

فهذا كلام يمثل ما تصطنعه الجارية من تألم وبكاء إذا عصفت بها عواصف الريدة الجسدية.

وكثر الرمل عند متأخري المولدين، فاستعملوا فيه التوشيح وسلكوا به كل مسلك، وخف على ألسنتهم حتى إن ابن الوردي نظم فيه لاميته المشهورة:

اعتزل ذكر الأغاني والغزل ... وقل الفصل وجانب من هزل

وهي تجري مجرى الرجز التعليمي، على أنها تنظر من بعد إلى لاميات أعشى همدان والجعدي وابن الزبعري. وقد كتب لها من السيرورة ما لم يكتب للاميتي العرب والعجم، وما لم يكتب لرجزية أبي العتاهية ذات الأمثال على سهولة لفظها. وما ذلك إلا لأن بحر الرمل قد لذته نفوس المتأخرين حتى صار عندهم بمنزلة الأوزان القصار. وقد وفق ابن الوردي توفيقا لا ينكر حتى إن روح الأسى ليشيع في قطع عدة


(١) انظر الأغاني ٣ - ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>