من لاميته على ما في صناعتها من لبن. والرجل قد عاش في عصر غلبت عليه نزعة التصوف و"الدروشة" وكان قصد بلاميته إلى المتفقهة وأضرابهم ممن لا تهزهم الجزالة والرصانة.
وقد ذكرنا من قبل أن شوقيا أنشر الرمل في دنيا الشعر المتين. ومن تأمل ديوانه الأول وجده يجري بحري الرمل (الطويل والقصير) مجرى القصار من الأوزان، لقصره النظم فيهما -بحسب الغالب- على المناسبات التي تستدعي شعرًا خفيفا مثل قوله:(١ - ٣١٢).
وقفي الهودج فينا ساعة ... نقتبس من نور أم المحسنين
واتركي فضل زماميه لنا ... نتناوب نحن والروح الأمين
وكقوله (١ - ٣١٩):
قف على كنز بباريس دفين ... من فريد في المعالي وثمين
وربما كان الأستاذ العقاد تأثر بروي هاتين الكلمتين في رثائه لسعد:
أمضت بعد الرئيس الأربعون ... عجبا كيف إذن تمضي السنون
والكلمة التي قالها شوقي في أم المحسنين عيب عليه مطلعها واتهم بالرجعية لذكره الهودج والزمان. وعندي أن هذا ظلم ممن انتقدوه. فالرجل لم يكن يجهل أن الأميرة المصرية التي رام مدحها لم تكن ظعينة مثل ظعائن ربيعة بن مكدم ودريد بن الصمة، تركب الأحداج وتجزع البيد على الجماليات الهراجيب. بل قد كان من أشد الناس إحساسا بروح عصره، وأعرفهم بنواحي الحضارة والترف فيه، كما كان من أسلم الناس ذوقا في العربية وأعرفهم بأساليبها. وما أحسبه افتتح نونيته "ارفعي