الكلام مبتورًا كأنه» قد سبق التنبيه منا على أنه يثبت ان للقصيدة مقطعًا ولكنه دقيق -ولذلك صح له أن يقول:«كما فعل غيره من أصحاب المعلقات وهي أفضلها».
هذا وقد نظر ذو الرمة نظرًا شديدًا إلى امرئ القيس في اختتامه لبائيته الطويلة:«ما بال عينك منها الماء ينسكب» وذلك قوله يصف أفرخ النعام وقد خرجن من البيض:
كأن أعناقها كراث سائفةٍ ... طارت لفائفه أو هيشرٌ سلب
أي كأن أعناق الفروخ لخلوها من الريش نبات طار ورقة عن أغصانه فصارت الأعواد التي كان عليها الورق سليبات. وقوله الكراث ولفائفه فيه معنى من أنابيش العنصل ومحاكاة التشبيه الذي جاء بها امرؤ القيس فيه، والخاتمة الغيلانية «نسبة إلى غيلان وهو ذو الرمة» كأنها انبتار لما تقدم والنفس مشتهية مزيدًا منه، وكأنها لا قاعدة، إذ هي تدور بك إلى أول كلام ذي الرمة. وذلك أنه جعل مدار قصيدته على معنى الشوق إلى مية والبكاء حنينًا إليها، وكأنه ينظر إلى مذهب علقمة في الميمية:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
أم هل كبيرٌ بكى لم يقض عبرته ... أثر الأحبة يوم البين مشكوم
ثم لم ير اللحاق بالمحبوبة كما صنع علقمة حيث قال:
هل تلحقني بأخرى الركب إذ شحطوا ... جلذيةٌ كأتان الضحل علكوم
إذ قد زعم أن عهد مية قد كان في زمانٍ مضى.
ليالي اللهو يطبيني فأتبعه ... كأنني ضاربٌ في غمرة لعب
وأنه زاره طيف الخيال وهو مسافر فهاجه -مسافر لأنه قد انصرف عن زمان الهوى