كلردج بالاتحاد بين المتقابلين الذي يتجلى في التعابير المجازية وتواتر اللغة الحية لا يمليها من تجليه فحسب ولكن ينتجها بطبيعته التي تجنح إلى الإنتاج. وقوله إحذاكها يفيد معنى الإمتاع والعطاء. وعبارة أبي تمام أقوى وأنصع وأوضح لأن تشقيق الشعر فيها أقل خالية كل الخلو من فيهقة حرارة تفخ الكلام التي عند كلردج. ويعتذر له بما قدمناه من أن هذا نثر يتفلسف به.
والحضرمية أحذية رقاق جياد كانت تحذى بحذقٍ صنعةٍ ومهارة على مثالٍ يجعل لشكلها نموذجًا. والمثال الذي حذا أبو تمام عليه قصيدته الموصوفة ههنا وهي التي مطلعها:
وأبي المنازل إنها لشجون ... وعلى العجومة إنها لتبين
هو ما راعه وأثاره من عظمة الخلافة آنئذ.
وفسر التبريزي قوله:«إنها لشجون» فقال: «يقول إن المنازل الخالية عن أهلها لهموم، أقسم بها تعظيمًا لها، والشجون جمع شجن وهو الحزن، أي تذكر العاشق العهود، فتكسبه حزنًا، وعلى ما بها من العجمة تشكو سوء حال تأثير الزمان فيها، وما ابتليت به من تسلط الدروس عليها لمفارقة سكانها، وإنما يريد أن الواقف عليها باعتباره وتأمله يحصل له ذلك فكأن الدار عرفته وأخبرته» أ. هـ. والذي ذهب إليه التبريزي من الشرج وجه يحتمله لفظ أبي تمام، ولا أحسب أنه مراده، بل أحسب أن مراده:«وأبي المنازل» قسم، «إنها لشجون» - أي هي نفسها حديث وكلام، من قولهم الحديث ذو شجون، أي ذو شعب وطرائق ولا تعجبن أيها القارئ الكريم من قولنا هذا فإنا لا نعترض به على أبي زكريا، ولكن هذا وجه كما قوله وجه. ويبرز ما ذهبنا إليه من قولنا إن أبا تمام أراد أن المنازل هي