للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي تقع في القلب موقعًا حسنًا وحين تدون في الدواوين وحين ينظر إلى نوع نظمها ورويها وعمود شعرها. لا جرم نظر الآمدي في قوله «عمود الشعر» إلى هذا من قول أبي تمام، ولله در القائل، وبه استشهد الثعالبي في معرض حديثه عن طعون الصاحب في أبي الطيب:

وذموا لنا الدنيا وهم يحلبونها ... ولم أر كالدنيا تذم وتحلب

وأمثلة ذكر الفكر والفهم وما أشبه في شعر أبي تمام كثيرة. وما اشتملت عليه هذه الأبيات الدالية من معاني النقد وتأملاته شاهد فيما قدمناه من أن حبيبًا كما كان شاعرًا ضخمًا كان كذلك ناقدًا ضخمًا. وفي هذه الأبيات قوله:

منزهة عن السرق المورى ... مكرمة عن المعنى المعاد

فقوله «السرق المورى» حاوٍ لأصناف السرق التي عددها النقاد. وقد زعم ابن الأثير أنه قد اهتدى في ذلك إلى ما لم يهتد أحد قبله، ومعرفته بشعر أبي تمام تشهد بأخذه منه، على أقل تقدير.

وأما عمود الشعر التي أشرنا إلى أن الآمدي قد نظر في استعماله إياها إلى قول أبي تمام «وفي كتب القوافي والعماد» فمن العجب الزعم الدائر بيننا الآن إن هذه العبارة كانت اصطلاحًا، ولو كانت اصطلاحًا لكان النقاد قد أفردوا لها بابًا أو فصلًا ولا نجد شيئًا من ذلك عند أحدٍ منهم (١)، وحسبك شاهدًا عمدة ابن رشيق


(١) () نعم، ذكر المرزوقي أشياء سبعة زعم أنهن عمود الشعر وليس هذا بجاعله اصطلاحًا وما جاء حقًّا بأمر ذي بال وكان صاحب تقعير ورحى تطحن أبزارًا، ولو تأملت الأشياء السبعة التي ذكرها وجدتها كلها راجعة إلى اللفظ والمعنى وما قاله الجاحظ في أمر الالتحام وقد عجز المرزوقي عن توضيح عيار كل منها. ثم قال فهذه «الخصال عمود الشعر عند العرب» وعمود هنا عبارة جاحظية لا تنبئ أن هذا اصطلاح فتأمل. والمرزوقي الآن «موضة» كعبد القاهر وحازم القرطاجني، فالله المستعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>