وتأمل قوله:«إذا ما قمت أرحلها بليلٍ» يلائم به ما ذكر من التشبيه بالقطا البواك ونومها من السدف المبين ثم هو في نفس الوقت يجعله مقابلًا لقوله:
وشد رحلي ... لهاجرةٍ نصبت لها جبيني
وهذا فيه ظلالٌ وأصداءٌ من:
تمر بها رياح الصيف دوني
إذ الهجائر أشد ما تكون حرًّا في الصيف.
يجوز- إن كان قوله «إذا ما قمت أرحلها بليلٍ» عني به أول ارتحاله أن يكون قصد إلى إعداده الراحلة ورحلها بهزيع من الليل، وهذا يناسب معنى الصارمة ومعنى البين والرحيل معًا- قال الحارث:
اجمعوا أمرهم عشاء (البيت)
وقال عنترة:
زمت ركابكمو بليلٍ مظلم
قال الشنفري:
بعيني ما أمسست فبانت فأصبحت فقضت أمورًا (البيت) وقال إن كان قاله:
فقد حمت الحاجات والليل مقمر ... وشدت لطيات مطايا وارحل
ومهما يكن قائله فهو شاهدٌ في الذي قدمنا. ويكون قوله «لهاجرة نصبت لها جبيني» لأنه يرتحل فجرًا ثم يدأب فهذا نصبه وجهه للهاجرة وبين هذا المعنى زهير حيث قال:
لأرتحلن بالفجر ثم لأدأبن ... إلى الليل إلا أن يعرجني طفل
ثم لاحظ تجاوب أصداء اللفظ:«ما وصلت بها يميني»«الذرانح باليمين»