للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صانع قين وكأن الدربان -أحد الدرابنة أي البوابين- لالتصاقه بدكته التي يجلس عليها، كأنه يصنعها. يشعرك بلونٍ من هذا قوله: المطين لأن التطيين تمليس وزينة.

قد رحل أو توهم الرحلة عن فاطمة لما صارمته وصارمها. فهل هو بعد خيبة الأمل في عمرو مرتحل عنه أو متوهم رحلة عنه؟ ولكن إلى أين أن يكن ليس من الرحلة والمصارمة من بد؟

هنا تجيء الحكمة. المقاربة والمباعدة، العلو والانخفاض، القلق والاهتزاز، كل ذلك بعد ما تقابل منه ما تقابل في الصور والألفاظ والمعاني والأنغام ينتهي عند ذروة من الحكمة كما قدمنا وذلك قوله:

وما أدري إذا يممت أمرًا ... أريد الخير أيهما يلبني

أالخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي هو يبتغيني

هذه المقابلة في البيت الأخير تحمل كل الأصداء والظلال التي مرت من قبل في إيجازها المذهل في عبارتيها: «أنا بتغيه» «هو يبتغيني» «هو يبتغيني» وتكرار إذا والذي، الذي رأيت.

نحن نزعم أن هذا المذهب الذي ذهبه الشاعر من أول كلامه إلى ذروة الحكمة التي صار إليها، في لفظه ومعناه وإيقاعه، هو تأليف موسيقي محكم كما هو تأليف بياني ليست المسألة ههنا مسألة لفظ ومعنى أو اللفظ والمعنى فحسب. اللفظ والمعنى يحملان دلالات الأداء الظاهرة. كلا ولا هي مسألة ما يقال له موسيقا داخلية بمعنى الجناس وأنغامه، فذلك قد يبلغه بالغه من طريق تجويد صناعة زخرف البديع، فلا يعدو انه صناعة زائدة على التعبير لا أنه تعبير قائم بنفسه الأمر ههنا أمر تعبير قائم بنفسه مقصود لذاته من طريق جسم إيقاعي نوراني تنتظم فيه رنات اللفظ والمعاني والصور جميعًا في اتحاد عجيب متصل منفصل. متصل لأن دلالته واحدة وكنهه واحد. منفصل

<<  <  ج: ص:  >  >>