للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنضج ما كان رشًّا. وذكر ابن الأنباري أقوالًا في «كأن تطيابها في الأنف مشموم» وما قلنا به من شمول المعنى في (هل ما علمت وما استوعت مكتوب البيت) نقول بمثله ههنا لأن الأنف ههنا يحتمل معنى أنفها وأنف من يشم طيبها، وكلاهما مراد، لما قدمنا من معنى الزينة كما في كلام هدبة واستشهد به أبو عبيد البكري في سمط اللئالي.

والبيت السابع صارت فيه (كأن) التي قد كانت من قبل في إعجاز الأبيات إلى اول الصدر -وفيها نوع من المجاوبة لقوله (هل ٩ في البيتين الأولين. ولاحظ جرس الفاء في (في الأنف) (فأرة مسك في مفارقها). وموقع الطاء في (الطير) (تخطفه) (تطيابها) (للباسط المتعاطي).

وقد اختفت الجملة الفعلية. وفي آخر البيت جملة اسمية بسيطة من ضمير وخبر لا يفصل فيها بين المبتدأ والخبر فاصل (وهو مزكوم) وتأمل الأصداء المعنوية المتجاوبة في قولة: (مدموم) وقد ذكرنا أن فيه إشارة إلى نقطة الطيب التي تدم أي تطلى بها الفتاة أنفها، وقوله (في الأنف مشموم) وقوله (وهو مزكوم) - هذا والقاف في قوله (مفارقها) تنظر من بعد إلى قافي (عقلًا ورقمًا). وهنا الطير تكاد تخطف العقل والرقم. وهنا تجد الباسط المتعاطي يمد يدًا إلى فأرة المسك والمفارق والأترجة ذات العبير.

واستخراج أسرار الميمية، ومنهن ما هو أخفى من أن يستطاع استخراجه، مما يطول، فنكتفي من ذلك بوحي وإشارات نأمل أن تكون كافية. ومرادنا ما أسلفنا ذكره من تبيين طريقة التأليف الموسيقي السنخ، الذي يعمد إلى موضوعات من المعاني والنغم، فيصرفها على ضروب من التوازن والتجاوب والمقابلة والانسجام، بحيث متى انصرم منها جانب، جاءت أصداء تمهد بروح مما مضى لشيء يلي، حتى إذ ظننا أننا ابتعدنا عنه، جاءت رنات تذكرنا به من جديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>