واعلم أصلحك الله أن بيان النغم والإيقاع لا يعمد إليه عند العجز عن البيان بالكلمات ذوات العبارة الواضحة، ولكنه أمرٌ من باب الإبلاغ قائم بنفسه، ويبين به الشاعر كما يبين بالكلمات. فالذين يكررون رنةً حرية أو عروضية يزخرفون بذلك من غير أن يكون هو صادرًا عن قصد إلى الإنابة، مبينًا بذلك، إنما فعلهم مكاءٌ وتصدية.
وعلى هذا كثير من البهرج والزيف الصوتي المعاصر مما يظن به أنه جناسٌ داخلي وما أشبه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أول موضوعات القصيدة بعد اللوعة والشوق موضوع البين وتخوفه، ويدخل فيه موضوع الحبيبة، وموضوع الظعن والرحلة. فمن المعاني المتكررة روحًا ونغمًا وصورًا ومعنى التخوف والشؤم. أوله قوله (أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم) فقد وصف علامة البين الظاهرة في قوله:
لم أدر بالبين حتى أزمعوا ظعنًا ... كل الجمال قبيل الصبح مزموم
رد الإماء جمال الحي فاحتملوا ... فكلها بالتزيديات معكوم
ثم أشار إلى طير البين حيث ذكر العلل والرقم. ثم صرح به في قوله إذ شحطوا في البيت:
هل تلحقني بأخرى الحي إذ شحطوا ... حلذية كأتان الضحل علكوم
ثم قال:
بمثلها تقطع الموماة عن عرضٍ ... إذا تبغم في ظلمائه البوم
والبوم من طير الشؤم بلا ريب. ويجيء من بعد معنى توجس الشر في تشبيه الناقة بالثور الوحشي: