وقد عادت كلمة (استطف) كما مر في قوله يصف الظليم (وما استطف من التنوم مخدوم) والكتر عني به سنامها، فهي كوماء- وقد جاء وصف الكوم في بيت (حافاتها) كما رأيت. وتأمل الكافات، في حاركها، كتر، كير. ثم لنا عودة يسيرة إلى كير القين وناره المتأججة إن شاء الله.
هذه الدهماء التي في أول القصيدة، وهي كأنها رمز للشاعر في عنائه وألمه ودمعه، يقول: فالعين مني كأن غربٌ البيت وغرب الماء كأنما هو جزء من هذه الناقة لأنه منوطٌ إليها إلى قتبها وحزامها وحاركها- هذه الدهماء يقابلها فحل الإبل الشغاميم وهو أكلف الخدين. كلفة الخدين هذه التي نعت بها الفحل، تقابل خضرة التلغيم التي على خد الناقة النشيطة التي تمناها ليلحق بها الظعائن، ولحييها- الناقة النشيطة التي يريدها للحاق رمز السعادة والجد بكسر الجيم (١) والجد بفتحها والتشمير، وشارتها الخصب والخضرة، كالمحبوبة المشبهة بالأترجة وبالروضة، وكالظليم الخاضب، الذي يظلله الغيم، وحتى الحنظل الذي ينقفه خطبان، أي ذو ألوان من الخضرة، وحتى مشقة السفر لها لونٌ من الخضرة، لحم فيه الخضرة -التنشيم- ومزادات تعلوها خضرة:
وقد أصاحب فتيانًا طعامهم ... خضر المزاد ولحم فيه تنشيم
والفرس السهلبة أي الطويلة على ظهر الأرض شبهها الشاعر بالسلاءة بضم السين وتشديد اللام وهي شوكة النخل ولونها شديد الخضرة. والدهماء المذكورة قبل إنما كانت تسقي بستانًا من النخل والأعناب- يدلك على ذلك وصف القرآن لبساتين أهل البساتين. قال تعالى في الإسراء:{أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا}. وقال تعالى في الكهف:{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا}.
(١) () بالكسر للعمل الذي يجد فيه صاحبه وبالفتح لحسن الحظ.