وقوله «تضيء الظلام بالعشاء» وتشبيه ذلك بالمنارة في قوله: «كأنها منارة ممسي راهب متبتل» ينم بالبعد وبأن الظلام محيط بالشاعر وهي، المحبوبة، بذكراها منارة في هذا الظلام. تبدو الصفة كأنها نعت مباشر لجسم الفتاة المهفهف ووجهها الحسن المشرق، ولكنها في نفس الوقت إشعار ببعد ذلك الوجه حتى كأنه منارة تهدي المسافر في الظلام. هذا معنى قولنا إن هذا البيت من الفواصل الكبرى.
بعده أخذ الشاعر تذوق الذكرى والتمسك بها واستعادة زمانها وهو في لجة ظلام الحاضر المحيط به.
خامس عشر: التمسك بالذكر قبيل تحسرها مع تلذذ بذلك وشعور بارتياح نفس وشفاء:
إلى مثلها يرنو الحليم صبابةً ... إذا ما أسكرت بين درعٍ ومجول
تسلت عمايات الرجال عن الصبا ... وليس فؤادي عن هواك بمنسل
إلا رب خصمٍ فيك ألوى رددته ... نصيح على تعذاله غير مؤتلي
تأمل قوله:«الظلام»«بالعشاء»«ممسى» وأنت تذكر قوله في صفة شيمه البرق مع صحبه:
يضيء سناه أو مصابيح راهبٍ ... أمال السليط بالذبال المفتل
انظر كيف يتجاوب هذا مع قوله:«تضيء الظلام بالعشاء» ولا يفتك إيحاء الجرس الخفي في «أمال السليط»«مال الغبيط»«الذبال المفتل»«الدمقس المفتل» يضيء البرق كأنه المحبوبة لأنها هي منارة الراهب. والحليم هو الشاعر. والراهب لا شك حليم فاجعل الراهب نفسه رمزًا. النابغة وكثيرٌ نظرا إلى راهب